هاشم العقابيربما لعقدة عميقة تأصلت بنفسي من ايام الطفولة، صرت اشعر بالرعب حين اسمع باسم "الوحدة". ففي طفولتي لم احب شخصا، بالدرجة التي احببت بها والدي او اكثر، مثلما احببت عبد الكريم قاسم. كان حبه عندي في تلك الايام كما الحلم الطفولي الجميل الذي لا يعرف معنى لمصطلحات السياسة والثورات. ويوم شاهدت صورته مقتولا، سألت: من قتل الزعيم؟ الوحدويون. ولماذا؟ لانه ضده الوحدة. لعد انعل ابو الوحدة لا بو الخلفوها. ومن يومها صرت اخاف اسمها لا بل واكرهه ايضا.
تشاؤمي وخوفي عززتهما الأيام بعدما كبرت. ففي نهاية السبعينيات اعلن النظام البعثي السابق عن مشروع وحدة مع البعث السوري. علت الهلاهل وكثرت الاجتماعات وباشرت اللجان الوحدوية مهامها. لم تمر سوى اشهر لنكتشف انه لم يكن مشروعا للوحدة بل مجزرة طالت البعثيين العراقيين اكثر من غيرهم وانتهت الى ان يصبح الجلاد رئيسا للحزب والدولة وبطلا قوميا أوحد. وما ان تخلصنا من كارثة الحرب مع ايران، التي كان يروج ان من بين اسبابها حماية وحدة الامة العربية، جاءتنا طامة احتلال الكويت، وباسم الوحدة ايضا. وهل بالعراق كله من يحتاج ان اعدد له ما حل بالعراق والعراقيين من دمار وخراب وبؤس بسببهما؟آخر ما كان يمر ببالي بعد سقوط النظام السابق، ان اسمع من يدعو العراق لوحدة جديدة مع العرب او غيرهم، على اساس "ان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين". لكن يبدو ان ظني لم يكن في محله اذ جاءت اللدغة، لا من جحر عربي، بل من جحر ايراني هذه المرة، وعلى لسان السيد الرحيمي النائب الاول للرئيس احمد نجاد. لم تمر بحياتي رغبة ان التقي مسؤولا ايرانيا كما تمنيت ان اكون حاضرا حين غرد بذلك التصريح (اللدغة). اردت ان اقول له بالعراقي: أغا ما تكلي اشفت عدنا وتريد تتحد ويانا؟ هل طمعك بساعات الكهرباء "الفائضة" عن الحاجة؟ أم انك مشتاق للتجول بشوارعنا الخالية من الحواجز والمرشوشة بالزهور والرياحين التي تبلطها حكومتنا كل يوم وتغسلها بماء الورد على مدار الساعة؟ يفسر السيد رحيمي سبب دعوته للوحدة "التامة" مع العراق بان ""الشعبين يتعرضان لمؤامرات على المستوى الدولي بسبب معتقداتهما واهدافهما". الرجل يريدنا ان ندخل في حرب مع العالم كله لأنه يتآمر علينا. انها دعوة الى خوض "قادسية عالمية" ستمتد ساحتها الى حيث ما لا يعلم الا الله. فقد لا تتوقف عند امريكا واوربا بل تشمل الهند والصين والكوريتين والفيتناميتين، وستعبر قارات ومحيطات لنحطم المؤامرات الكونية ببطاقاتنا التموينية التي لا تقهر.ولو كنت عنده في تلك اللحظة لقلت له أيضا: يمعود فكنا .. تره دم الحروب اللتي فرضت علينا بسبب عقلية المؤامرة ، بعده ما نشف لليوم. وسأقول له ما قاله شاعرنا الشعبي: "فكني ما عايز حزن والله بعدني بثوب حزني".لم يرعبني تصريح السيد رحيمي فقط، بل زادني حزنا فوق حزني حين قرأت عنوان الخبر على "السومرية نيوز" يقول: "رحيمي يؤكد للمالكي أنه إذا اتحد العراق مع إيران فسيشكلان قوة عالمية كبرى". تقارب اسميهما ذكرني بصديقي المرحوم الشاعر رحيم المالكي الذي قتل غدرا ومن دون ذنب. وجانت عايزة التمت.
سلاما ياعراق : الرحمة يا رحيمي
نشر في: 29 إبريل, 2012: 07:14 م