محمود النمركانت تجربة مهمة هذه التي أقدم عليها قسم اللغة العربية في كلية التربية للبنات ، أمس الأول الاثنين، حين ضيّف القسم الشاعر عبد الزهرة زكي في حديث مباشر وحوار حيوي مع جمهور من طالبات الكلية وأساتذتها ، حيث كانت تجربة الشاعر بشكل عام محور الحديث الذي تركز بشكل خاص على كتابه الشعري الأخير (شريط صامت) الصادر عن دار المدى مؤخراً.
الجلسة التي أدارها د.عباس ثابت أستاذ اللغة العربية في الكلية كانت مسبوقة باطلاع طالبات الكلية على الديوان والانشغال معه لشهرين ضمن الجهد الدراسي في البلاغة.. وكان أن توفرت أسئلة للطالبات عن نصوص الكتاب وتجربة كتابته وانصرافه عن البلاغة التقليدية إلى ما سماه الشاعر أثناء الحوار ببلاغة (المعنى الشعري) و(بلاغة الموت) الذي شكل جوهر تجربة الديوان المكرس لرصد حالات القتل والتفجير والخطف التي واجهت المجتمع العراقي بفعل الجماعات الإرهابية بعد 2003. وصف الدكتور عباس ثابت الشاعر عبد الزهرة زكي في معرض تقديمه له بـ (شاعر الوقائع بامتياز)، حيث أشار الى تجاربه السابقة في ديوانه (كتاب اليوم) الذي تضمن أهم أعماله التي كتبت في التسعينيات تحت ظرف الحصار قبل أن يصل الدكتور ثابت إلى الحديث عن تجربة الكتاب الأخير (شريط صامت)..وجاء في التقديم قول ثابت إن زكي "هو أحد أهم الذين صنعوا الذاكرة الشعرية العراقية الجديدة ، فهو منذ السبعينات، كان جزءاً حيوياً من التحول الشعري في القصيدة العراقية ومن موجة التحديث الثالثة لهذه القصيدة .. وهو ينتمي إلى اللا تمركز الجيلي"، في إشارة الى ما كان قد أعلنه الشاعر في أكثر من مجال عن تحرره من التصنيفات الجيلية، وذكّر د.عباس ثابت بهذا الصدد بأن زكي الذي يمكن أن يحسب زمنيا على جيل السبعينيات هو نفسه الذي رأس الهيئة التحضيرية لملتقى الشعر الثمانيني الذي شكل علامة فارقة في الحياة الثقافية في حينه، حيث علّق الشاعر على ذلك بالقول إنه كان دائم السعي إلى أن يكون الأقرب إلى شعراء الأجيال الجديدة سواء في الثمانينات أو التسعينيات وحتى ما بعد الألفين.ونقديا، رأى الدكتور ثابت (إن شعر عبد الزهرة زكي يتخفف من إكسسوارات اللغة ، وأن مقولاته الشعرية تصل بأقل قدر من التعمّل الذي كان مبالغاً فيه لدى شعراء آخرين عاصروا الشاعر.. إن قيمة الشعر لدى هذا الشاعر هي في ما ينتجه من معان شعرية ، وهو شاعر الوقائع بامتياز، منذ ديوانه الأول "اليد تكتشف".. وفي ديونه الثاني "كتاب اليوم – كتاب الساحر" حيث أصبح الموت عنده هاجسا إنسانياً وشعرياً ،عبر ما كتبه في هذا الديوان من قصائد عن الموت ، لكن الحياة جذبته مرة أخرى ،فكتب عن الجسد في " طغراء الماء والنور " وقبله "كتاب الفردوس"..).واستهل الشاعر عبد الزهرة زكي حديثه لطلبة وأستاذات وأساتذة الكلية بثنائه على جهود كلية التربية للبنات، وقسمها الحيوي، قسم اللغة العربية، الذي يسعى إلى الانفتاح على النتاج الإبداعي للأدباء العراقيين المعاصرين، وقال: إن مثل هذه الفعالية هي تجسير لصلة كانت منقطعة إلى حد ما بين الوسط الثقافي العراقي، وبين المؤسسة الجامعية العراقية.. وعلّق على هذا بالقول: لقد كان انقطاع الجامعة العراقية عن الحياة الثقافية واحدة من مشكلات قديمة ومتأصلة في الحياة الثقافية وفي الحياة الأكاديمية، برغم أن الكثير من أساتذة الجامعة هم نشطاء فاعلون في الحياة الثقافية ،ولكن كنظام مؤسسة وكتقاليد جامعية كانت الصلة تكاد تكون ضعيفة باستثناء ما درجت عليه بعض الجامعات في السنوات الأخيرة، سواء في بغداد أو الجامعات الأخرى في المحافظات، من خلال الدراسات العليا ومن خلال الانفتاح على المناهج الحديثة، وهو ما عزاه الى وجود جيل حيوي جديد من الأكاديميين العراقيين والى تحرر الجامعات من مشكلات الخوف من السلطات مما قد يجر إليه أي انفتاح على الوسط الثقافي آنذاك . ثم تحدث عبد الزهرة زكي عن تجربة كتابة ديوان (شريط صامت) مشيرا إلى موضعة هذه التجربة في سياق تجربته السابقة في كتابة الشعر.. وأوضح أن تجربة انجازه لقصيدته "هذا خبز" التي نشرها عام 1996 كانت مؤشرا أساسيا، باعتقاده، باتجاه تحول قصيدة النثر العراقية نحو الانفتاح على الحياة اليومية والتخلص من مجانية التعبير الشعري الذي أغرق قصيدة النثر العراقية في فوضى لم يكن وراءها من طائل.ثم قرأ الشاعر بعضا من قصائد ديوان " شريط صامت " حيث لاقت استجابات طيبة من الحضور الذين عبروا في مداخلاتهم وأسئلتهم عن حماسة وإعجاب، قالت إحدى الطالبات للشاعر إن احدى هذه القصائد تعنيني لأنني فقدت زوجي في التفجيرات الإرهابية ببغداد .وفي مداخلة مهمة، قرأ الناقد بشير حاجم ورقة نقدية ترصد شعرية عبد الزهرة زكي ابتداءً من " اليد تكتشف " الى ديوان "شريط صامت " متحدثا فيها عن المزايا النوعية لقصيدة النثر عند الشاعر.وفي الختام، شكرت الدكتورة نهلة النداوي أستاذة البلاغة في القسم الشاعر على حضوره وإسهامه، وتحدثت عن تجربتها مع طالباتها في ال
(شريط صامت) في كلية التربية..تجسيد لصلة الثقافة بالمؤسسة الجامعية
نشر في: 29 إبريل, 2012: 07:20 م