فريدة النقاشاستجابة للحملة الابتزازية باسم الدين التي يشنها من ينسبون أنفسهم للإسلام، ويكفرون كل من يجرؤ على المطالبة بتمثيل شخصيات الأنبياء والصحابة على المسرح أو في كل من التليفزيون والسينما كتب «فكري النقاش» مسرحيته «مقتل عثمان» وصدرها بجملة تقول إنه «نص درامي للقراءة»، أي لا يجوز لأي فنان مخرجا كان أو ممثلا أن يفكر في ترجمته على المسرح.
وقد تسبب هذا التحريم الذي فرضه من يسمون أنفسهم رجال الدين في طمر مادة درامية وتراجيدية هائلة في التاريخ الإسلامي وإبقائها في بطون الكتب نهبا لتعدد الروايات وتضاربها رهن القراءة وحدها.وبسبب هذا التصدير نفسه أخذت أقرأ فصلي المسرحية ومشاهدها الخمسة عشر وأنا أجسد في خيالي صورا للشخصيات والأحداث والمواجهات بين فريقين من المسلمين تماما كما أفعل مع أي نص روائي. وكنت غالبا ما أرد على بعض أسئلة الصحفيين قائلة إن الصور التي يصنعها خيالنا الخاص لشخوص الروايات ووقائعها غالبا ما تكون أكثر خصوبة من الصور الجاهزة على خشبات المسارح أو الشاشات. ذلك أننا كمتلقذين نصنع عالما موازيا للنص متنوع الألوان والعلاقات، ونبث فيه من روحنا وذواتنا وثقافتنا ورؤيتنا للعالم، وبذلك نتجنب التنميط الذي تنتجه المادة المصورة الجاهزة التي لم يعمل خيالنا على إثرائها لأنها نتيجة جهد وخيال لآخرين- هو خيال احترافي بالطبع- لكنه على أي حال مفروض علينا بطريقة أو بأخرى.والكتاب والمفكرون والفنانون الذين يدعون المواطنين إلى مواصلة القراءة، وقراءة الكتب على نحو خاص رغم إغراءات ثورة الاتصال الجديدة هم على حق، وهم يعبرون أيضا عن القلق لتراجع القراءة وهم أيضا في ذلك على حق ، ذلك أن كل منتجات ثورة الاتصال من معلومات سريعة متجددة وابتكارات بلا حصر تتعامل جزئيا فقط مع بناء الوعي النقدي، ولا تعلم مناهج التفكير وإن كانت تقدم المعلومات ويحتاج كل من الوعي النقدي ومناهج التفكير وإن كانت تقدم المعلومات ويحتاج كل من الوعي النقدي ومناهج التفكير إلى التأمل الذاتي المتأني عبر قراءة الكتب لتكوين الرؤية الشاملة. أكتب هذه المقدمة الطويلة تعبيرا عن انشغال قديم بمناهج التفكير والوعي النقدي مع دعوة لقراءة هذا النص الممتع- نقديات ذلك أن مؤلفه الذي سبق أن قدم مجموعة مهمة من المسرحيات هو فضلا عن أنه قارئ جاد لتراث الثقافة العربية الإسلامية هو دارس لتقنيات البناء المسرحي دراسة أكاديمية عميقة. وهناك نموذج بارع في مشهد الافتتاح يقول لنا بلغة التراجيديا إن واقعة سوداء تحوم فوق الشخوص ذلك رغم أن اسم المسرحية هو «مقتل عثمان» أي أن هناك وشاية منذ ما قبل البداية بمآل البطل التراجيدي، ورغم أن هذا المآل المأساوي مستمد من وقائع التاريخ المعروف لكن المؤلف يقدم لنا نسيجا متكاملا يمكننا بسبب إحكامه أن تغيب عبره معرفتنا بالواقعة التاريخية.وبينما يواصل الخليفة الثالث «عثمان» العبث بالخاتم في إصبعه فيسقط من يده إلى البئر ، يفزع عثمان ويقف مذعورا ويصيح» .. لا حول ولا قوة إلا بالله سقط خاتم رسول الله من يدي في البئر» ويكون سقوط خاتم رسول الله نذير شؤم وفاتحه للتراجيديا وطيرا أسود يحوم طيلة النص على الأحداث والعلاقات. ورغم أن النص يضم اثنتين وأربعين شخصية وتدور أحداثه في أماكن شتى من أرض الإسلام حيث يرى الخليفة «الدنيا مقبلة علينا، والثغور تفتح لنا كل يوم ونزيد في أرض الإسلام».ولكن الصوت النقدي لأبي ذر الغفاري ينبه المسلمين إلى مظاهر الهلاك القادم «العبيد يملأون أرجاء المدينة، وألعاب اللهو قد زادت ، واستجد منها ما استجد. والمال فيها قد استفحل وليست هذه هي المدينة التي عهدتها على عهد رسول الله (ص) ، ولا هي مدينة أبي بكر وعمر- رحمهما الله-».ويرى عثمان «أن النعمة قد زادت وقد أطغت أكثر الناس».أما مسلمو البلدان المفتوحة فإنهم ساخطون على ولاة هذه البلدان ويطلب بعضهم الخلاص منهم وصولا إلى الدعوة لخلع الخليفة نفسه، وجاء أقوام من مصر زعموا أنهم يريدون الحج ولكن هدفهم الأصلي كان قتل عثمان، وقالوا إنه بعث إليهم بأحد رجاله وحرض ضدهم، والخليفة لا يشاور إلا بني أمية وفي المدينة أكابر المهاجرين والأنصار لا يسمع منهم، ويقول علي بن أبي طالب الخليفة الرابع لعثمان «جمعت جمعا من المهاجرين والأنصار، وكلمنا المصريين أنا ومحمد بن مسلمة، وقلنا إنك عازم عن الرجوع عما يغضب هؤلاء يغفر الله لك ولهم ولنا».. ثم وقد جاءوا بكتب عليها خاتمك إلى عمالهم وولاتهم، تأمر بقتلهم.ويصل النص إلى ذروته في الفصل الثاني حيث يقسم الخليفة أنه ما أمر ولا كتب ولا ختم، كما يقول علي بن ابي طالب، ولكنه يقول أيضا إن عثمان قد أصبح سيقة لمروان بن الحكم يسوقها حيث يشاء»، ومع ذلك فهو يرفض أن يخلع الخليفة ليتولي مكانه. بينما يكشف «عثمان» عن ضعف شديد ويقول لزوجته «ماذا أصنع يا نائلة وكلما رمت إصلاحا دخل علي مروان فحرفتي عنه بمودته وقرابته وحسن مقالته» وهكذا خذله أهله وأقرباؤه الذين أحاطوه وحادوا به عن دين محمد وتصل بلاغة النص لذروة قرب النهاية المحتومة «لعثمان» ح
مقتل عثمان
نشر في: 29 إبريل, 2012: 07:22 م