علي حسينفي الأيام القليلة الماضية تابعت حدثين مهمين ، الأول الانتخابات الفرنسية التي جاءت نتائجها بغير ما يتمناه الرئيس ساركوزي ، الذي لم يطلب أن تتغير المفوضية العليا للانتخابات ، ولم يتهم أعضاءها بتنفيذ أجندة خارجية ، ولم يسخر من الفارق البسيط بينه وبين منافسة الاشتراكي، فرانسوا هولاند ،
الشيء الوحيد الذي فعله أنه خرج للناس مبتسما وهو يقول إنها هذه فرصة اخرى للنهوض بالبلاد، وافق الرجل ان يذهب الى جولة ثانية ولم يطلب من أنصاره ومقربيه التشكيك في النتيجة، ولم ينفعل ولم يجرؤ أن يقول أعيدوا فرز الأصوات ثانية، لم يرفع شعار "أنا ومن بعدي الطوفان" ولم يملأ الفضائيات زعيقا وصراخا بأن منافسة مناوئ للعملية السياسية ومخرب للبلاد، ففي الأمم الحية القانون واحد، لا فرق بين رئيس ومواطن. الحدث الثاني بطله رجل بسيط يؤمن ايضا بأن القانون فوق الجميع، لم يخف ولم يهادن وهو يصدر قراره الشهير بمنع الإخوان المسلمين من رفع شعارهم " الإسلام هو الحل" في الانتخابات الرئاسية " كان صاحب هذه الواقعة القاضي حاتم بجاتو رئيس اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات المصرية، قال الرجل كلمته ومضى مطمئنا إلى بيته من أن لا احد سيلحقه بكاتم صوت ، ولن تنطلق مكبرات الصوت في الجوامع لتكفره وتطالب بصلبه. بين ديمقراطية فرنسا المتجذرة منذ قرون ، وديمقراطية مصر الناشئة نتساءل عن أي عراق ديمقراطي نتحدث ، وفي أي خانة نصنفه ، هل هو كوميدي أم تراجيدي. إذ ذهب البعض إلى أنه مثير للضحك، وقال آخرون إنه من نوع التراجيديا التي تصدم المشاهد وتصيبه بالكآبة والهموم، بالتأكيد نحن نعيش ديمقراطية اللصوص والمزورين، حين ننظر إلى ما يجري في العالم حولنا سنصاب باللوعة ، فقد كنا جميعا نتمنى أن تسود دولة المواطنة وان يصبح العراقيون جميعا متساوين بالحقوق والواجبات، وان يكون شعارنا الكفاءة أولا، وان نبني دولة مدنية لا تميز بين المواطنين. اليوم نعيش إحساسا غريبا بالزمن العراقي الذي يموت بين سياسيين لا يشعرون بما حولهم،‏ ومواطنين أصبح الزمن لا يعني لهم شيئا أمام تكرار الهموم والأزمات وضياع الأحلام وسنوات العمر.إلى أين تسير بنا سفينة الديمقراطية ؟ ماذا يفعل مسؤولونا الذين وضعوا المال والسلطة في كفة عليا والشعب والقهر والفقر في كفة سفلى، إلى أين تسير سفينة الديمقراطية والناس أسرى لاحتياجاتهم ولأمنهم ولمستقبل أبنائهم، بعد تسع سنوات نقرأ في صحيفة بريطانية هي الغارديان مقالا يقول كاتبه : " إن العراقيين غابت عنهم القدرة ، على الحلم والأمل، غلبت على المواطن العراقي روح التشاؤم، الذى يفضى إلى اليأس، والاكتئاب، والقلق، والشعور بالوحدة، وتلاشى الحافز على العمل". لم يجرأ أحد من سياسيينا ان يخرج علينا معترفا بأخطائه أو خطاياه، لم يعلن يوما احد منهم أنه أساء ولم يكن صائبا في قراراته. مع كل أزمة تواجه العملية السياسية - لا اريد ان اسميها ديمقراطية - نجد المقربين من رئيس الحكومة إما أنهم يتجاهلوها تماما وكأنها غير موجودة، أو يخرجون علينا بتبريرات ساذجة وخطط مستقبلية مبهرة، طبعا دون، أن يغفلوا الحديث عن الإنجازات وما تحقق في مجال الشفافية وإرساء دولة القانون، بعدها يهددون ويتوعدوننا نحن المشاغبين الذين نريد أن نشوه سمعة العراق. في كل أزمة نسمع كلاما باهتاً بلا لون، ولكن برائحة كريهة، يدعونا إلى بث روح التفاؤل واغتيال نعمة التشاوم، حتى نرى العراق يتقدم إلى امام. في عراق اليوم نعيش مع ساستنا حربا يومية تستنفد طاقات البلاد بدلاً من حشد القوى لمحاربة الفساد والعنف والتطرف. وبعد كل الذي قرأته فالأمر متروك لك أيها القارئ العزيز إذا اعتبرت أن هذه كوميديا أو تراجيديا.، لكن يظل خيارك بين أمرين لا ثالث لهما.. أن تضحك أو تبكى.
العمود الثامن: خدعوكم فقالوا:"عراق ديمقراطي"
نشر في: 29 إبريل, 2012: 07:51 م