د.عامرة البلداويلابد من إعادة النظر بآليات تشريع القوانين ومراجعة الفوضى المحيطة بها لتلافي إعادة تعديلها مرات عدة قبل البدء بتنفيذها كما حصل مع قانون التقاعد الموحد رقم 27 لسنة 2006 وغيره من القوانين ذات المساس بحياة المواطن .ومن المهم التأكيد أنه لا يخلو أي قانون من بعد اقتصادي وتنموي مما يستدعي مراعاة ذلك في الموازنة العامة للدولة
فضلا عن أن القوانين الاقتصادية شديدة التأثير على الستراتيجيات وموازنات الدولة ،لذا فإن تشريعها لابد من أن يكون مع الأخذ بعين الاعتبار سياسة الدولة وتوجهاتها وقابليتها للتطبيق ومخاطرها وتداعياتها واستشراف الرأي العام حولها ، فعلى سبيل المثال يسعى العراق حالياً لاستكمال متطلبات انضمامه إلى منظمة التجارة العالمية ، (خاصة أن العراق رئيس للقمة العربية التي تسعى لإنشاء اتحاد كمركي عربي توحد من خلاله جداول التصنيفات والرسوم مما يتطلب توحيد الأنظمة الكمركية المتبعة ما بين الدول العربية لتكون متسقة مع النظام الدولي الجديد ) ، وأن لهذا الانضمام جملة من الاشتراطات من أهمها تكييف قوانين البلد لتتلاءم مع اتفاقية المنظمة ولا تتعارض معها ،وإن اجتماعات التفاوض مع العراق للانضمام تأخذ ملاءمة قوانين البلد ومدى اقترابها أو ابتعادها عن متطلبات الاتفاقية كواحدة من أهم المسائل التي تفصل بقبول أو رفض الانضمام للمنظمة ، وعليه ومن أجل استكمال تلك المتطلبات سعى العراق لتشريع قانون التعرفة الكمركية الذي بني على استخدام النظام العالمي المنسق من منظمة الكمارك العالمية ، وإن إيرادات التعرفة الكمركية تعد رافدا من روافد إيرادات الموازنة العامة للدولة التي ستعمل على تحويل الاقتصاد من طبيعته الريعية المعتمدة على إيرادات النفط بشكل أساسي إلى تنويع الموارد كجزء من سياسة الإصلاح الاقتصادي يسعى العراق لتحقيقه ما بعد التغيير . وقد تم تحشيد خبرات الوزارات ذات العلاقة في لجان عملت لفترة طويلة من أجل مناقشة وإعداد الجداول الخاصة بالتعرفة وبعد أن مر بمراحل صعبة من المناقشة والدراسة والتعديل داخل مجلس النواب وتم التصويت عليه ونشره في الجريدة الرسمية وتحديد موعد للعمل به ، تم إيقاف العمل به بشكل مفاجئ لأسباب قيل إنها تتعلق باعتراضات شعبية ومخاوف من ارتفاع الأسعار وظلت الدولة عاجزة عن الدفاع عن سياستها وأولوياتها وانسحبت بسرعة دون أن تضع خطة تشتمل على الفرضيات والمخاطر وكيفية معالجتها . ومن المهم عرض مثال آخر وهو تشريع قانون اجتماعي مهم تنتظره شريحة واسعة من العراقيين وهو قانون شبكة الحماية الاجتماعية الذي يعد العمل به أحد الأساليب المهمة في خفض الآثار السلبية لسياسات الإصلاح الاقتصادي على الشرائح الضعيفة بل المواطنين كافة ، وقد قرىء قراءة أولى في مجلس النواب بدورته السابقة واعترضت وزارة العمل في حينه وقامت بسحب المشروع وانتهت مدة ذلك المجلس دون أن تعيد الوزارة إرساله للتشريع أو تسعى اللجنة المعنية في المجلس لإنجازه ، ثم جاءت الدورة الحالية للمجلس وأعيدت قراءته قراءة أولى أيضا واعترضت الوزارة مجددا على أن النسخة التي قرئت هي نفسها النسخة السابقة ،ومنذ ذلك الحين لم تسع الوزارة أو اللجنة المعنية في المجلس إلى دفعه بقوة لغرض إتمام التشريع بالرغم من أن تخصيصات شبكة الحماية تمثل 1،2 % من الموازنة العامة للدولة ( موازنة 2011 ) وتزايد أعداد الأسر العراقية التي تستفيد من هذه التخصيصات والاعتراضات والشكاوى الكثيرة بسبب الفساد الذي يحيط بنظام الشبكة وطبيعة المستهدفين وآليات التوزيع وغيرها إلا أن التلكؤ الحاصل في إتمام تشريع هذا القانون المهم يأتي بشكل أساسي للأسباب الآتية :-1- تعدد منافذ الأمان الاجتماعي التي تشرف عليها جهات مختلفة مما يجب أن يشملها قانون موحد يكون مظلة الأمان في العراق بإشراف مؤسسة واحدة ( وزارة العمل والشؤون الاجتماعية مثلا ) ،وهذا ما لم يتم الاتفاق عليه.2- توسع الفئات المستهدفة مما يتطلب إضافة تخصيصات مالية جديدة ، وهذا ربما يتعارض مع نقاشات العراق مع البنك الدولي أو صندوق النقد حول تزايد حجم مبالغ التعويضات والمنح في مقابل تراجع الاستثمارات .3- لا يوجد تعريف وطني بمفهوم الأمان الاجتماعي الذي مازال مقتصرا على منح المبالغ المالية ،والأولى أن يشتمل على تفاصيل أخرى تضمن الأمان الصحي والسكن وغيرهما ،وعليه لابد من تطوير مفهوم الأمان ليأخذ مسؤولية الدولة الكاملة على الشرائح المشمولة . ومن خلال ما تقدم تتوضح الأبعاد الاقتصادية والتنموية لقانون مهم كهذا مازال يتخبط ويتأرجح بين المجلس والوزارة ولم يتقدم خطوة باتجاه التشريع، وعليه ومن خلال المثالين السابقين لابد من الإشارة إلى جملة من التدابير التي يجب اتخاذها قبيل تقديم أي مشروع قانون إلى مجلس النواب للتشريع :- 1- وضوح هدف وفكرة ورؤية القوانين المطلوبة للتشريع وانسجامها مع السياسة العامة لدى صانعي القرار مما يوفر أرضية صلبة وقوية وداعمة لتلك المشاريع ويساعد في إنجاح تطبيقها . 2- استشارة الخبراء:- لا يكفي أن يكون صا
منهجية تشريع القوانين وتأثيرها فـي السياسات العامة للدولة
نشر في: 29 إبريل, 2012: 07:54 م