اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > الهويّة الإسلاموية والتديّن الزائف

الهويّة الإسلاموية والتديّن الزائف

نشر في: 29 إبريل, 2012: 08:16 م

فارس كمال نظميلماذا ارتبط تديين السياسة في العراق بالانحطاط الأخلاقي للسلطة، وبالتدهور القيمي للدولة والمجتمع، وبتشوه معنى الحياة للوجود الاجتماعي برمته؟لماذا أصبح الإسلام السياسي في العراق منتجاً لنقيض الوظيفة السامية المفترضة للدين، أي منتجاً "مبدعاً" للألم والقبح والعنف والظلم والقسوة والخواء؟
وهل يمكن المضي في أي منهجية علمية لاستكشاف آليات تلاقح الدين بالسياسة، دون استجلاء عميق لسيكولوجيا التدين والتديين والأدينة، فردياً وجمعياً؟فرضـيتانإن الإجابة عن الأسئلة السابقة تستلزم أولاً تبني فرضيتين تفسيريتين. تستند الفرضية الأولى إلى حقيقة أن التجربة البشرية المشتركة عبر العصور، أثبتت بالملموس اليومي والتأريخي أن ليس ثمة دين منضبط بحقائق كليانية متفق عليها، لا فقهياً ولا شعبياً؛ بل توجد أديان مُتخَيَّلة بمقدار عدد المتخيلين، وأوجه مُتخَيَّلة للدين الواحد بعدد مذاهبه وطوائفه ومنظّريه وحتى أتباعه من العوام. ولهذه الصور المُتخَيَّلة محركاتها الانفعالية الغارقة في أعماق الحاجات البشرية المتعطشة لأي إشباع ولو كان مُتخَيَّلاً.وهنا يتوقف الدين "المطلق" عن ممارسة كينونته الواحدية في العقول، أي يموت إلى الأبد، فاسحاً المجال لنسبية التدين المرتبطة بنسبية العقل البشري ودينامياته الإسقاطية الشاسعة ليحيا إلى الأبد!أما فرضيتنا الثانية فترى أن الأديان قاطبةً جرى استثمارها في غمرة ضرورات الحراك السوسيوتأريخي، لتنتج أنماطاً متباينة بل ومتناقضة أحياناً من التدين (فكري أو عاطفي أو نفعي أو أصولي أو عصابي أو تطرفي أو تسامحي أو جوهري أو مظهري...). وبالنتيجة، لا يمكن القول بعلاقة سببية مباشرة بين أي دين "سرمدي" ونوع البيئة الاجتماعية المتأثرة به. فالمسألة تعزى في نهايتها لا إلى اللاهوتية "المطلقة" لبنية المعتقد الديني، بل إلى سيكولوجيا التدين أو التديين، أي قولبة الفكرة الدينية في نمط نفسي جمعي معين.rnالهوية الإسلامويةباختزالٍ أشد للفرضيتين السابقتين، أقول: إن ما يحدث في العراق اليوم من محوٍ مريع لقيمة الحياة البشرية، لا علاقة له بالإسلام الفاضل الذي مات بموت رسوله قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، بل بالإسلام المُتخَيَّل، أي الإسلام المُؤَسلَم سياسياً بإرادات أحزاب دأبت منذ العام 2003 على تكييف الثيمة الدينية بما يتلاءم أيديولوجيا مع مصالحها السلطوية الدنيوية، فأنتجت ما يمكن الاصطلاح عليه بالهوية الإسلاموية للسلطة والدولة والمجتمع.وهنا يجب التمييز المفاهيمي بين الهوية المسلمة لغالبية المجتمع العراقي بوصفها هوية سوسيو- ديموغرافية تعنى بإدراك الناس لانتمائهم الديني وتصنيفهم لذواتهم بوصفهم مسلمين لا أكثر، وبين الهوية الإسلاموية أو المتأسلمة أو الطائفية، التي تعني انتقالاً من الطابع العقلاني المحايد للذات المسلمة إلى الطابع العقائدوي الذي يضع الفرد المتأسلم بموقف الصراع مع الآخر المختلف عنه دينياً أو مذهبياً.ولعل أهم ما تميزت به هذه الهوية الإسلاموية بشقيها الطائفيينِ طوال السنوات التسعة الماضية، إنها أعادت إلى الصدارة الفكرية من جديد إشكالية "الجوهر والمظهر" بكل عمقها الثقافي والفلسفي والنفسي، وبكل تمظهراتها الثنائية: "الغريزة- العقل"، و"الهدمية– البنائية"، و"الفساد- النزاهة"، و""الاغتراب- الحرية"، و"الماضي الحي- المستقبل الميت".إلا أن هذه الثنائيات الخمس يمكن اختزالها مفاهيمياً في إطار كلي متين يستوعبها جميعاً، تلك هي ظاهرة "التدين الزائف" التي باتت تشكل الأداء السلوكي الأساسي للهوية الإسلاموية العراقية المشبعة بثقافة المظهر لا الجوهر.rnالتديّن الزائف والتدين الأصيلليس جديداً حينما نتحدث عن تديّنٍ تحركه دوافع ورعية نزيهة، وآخر تحركه غايات نفعية انتهازية. إلا أن هذا التصنيف القديم قِدَمَ الديانات نفسها، وجد له تأطيراً مفاهيمياً وبحثياً متماسكاً لدى عالم النفس الاجتماعي "جوردون البورت" (1879- 1967)م أواسط القرن العشرين حينما اقترح وجود توجهين دينيين في الحياة البشرية: توجه "أصيل" أو جوهري Intrinsic يتسم بتدين ناضج أساسه الإيمان من أجل الإيمان والفضيلة دون التطلع للحصول على منفعة أو مكسب؛ وتوجه "زائف" أو سطحي Extrinsic يتصف بالمظهرية والصبيانية وعدم النضج، هدفه الاستغلال النفعي للدين لحيازة المكانة والجاه والمال والسلطة وحماية الذات وإشباع الغرائز والحاجات الدنيا دون إيمان حقيقي بالقيم الدينية الجوهرية.وقد تراكم تراث كبير من دراسات ميدانية أجراها "البورت" وباحثون آخرون لاحقون، إذ وجد أن التدين الزائف في مجتمعات عديدة يمكن أن يصبح ستاراً يخفي وراءه أشد صور الإجرام والانحراف السلوكي، كما إنه يمكن أن ينبئ بتدني الصحة النفسية وشيوع الاكتئاب والعدوان والهستريا والتفكير الخرافي والجمود الفكري.وبالعودة إلى الوضع العراقي، نجد أن أسلمة الهوية العراقية سار بخط مواز لعملية تزييف الدين وتسطيحه وإفراغه من جوهره المثالي. وبتعبير مشابه، إن ثمة علاقة سببية تكوينية متبادلة باتت تربط ب

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram