جاسم العايفعام 1886 في شيكاغو الأمريكية ثمة عمال يتظاهرون سلميا للمطالبة بتحسين ظروف عملهم وبؤس حياتهم بسبب الضغوط التي تمارس عليهم من قبل أصحاب العمل المسنودين من السلطة السياسية وتشريعاتها الرأسمالية المتوحشة وأجهزتها القمعية وعملائها الذين أطلقوا النار على عُزّل هزلت أجسادهم وذوت أرواحهم وتوجهوا سلمياً للمطالبة بالحق الأدنى من حياة البشر لعوائلهم.
وجراء ذلك سقط بعض العمال صرعى الرصاص مجهول المصدر ومعهم بعض عملاء الشرطة السرية ، لكن دم (العملاء) كان مميزا عمن سقط من العمال. ولذلك تم دفع بعض المتظاهرين إلى محاكم صورية والحكم عليهم بالإعدام ونُفذ الحكم فيهم . إزاء الهيجان الشعبي والسخط وموجات الاحتجاج واستيقاظ ضمائر بعض القضاة والمحلفين وإحساسهم بالذنب المتأخر واستمرار حملة الاحتجاجات في كل الولايات الأمريكية بضراوة وتفعيلها عالمياً، تكشفت الأسرار وأعيدت المحاكمة عام 1888 لتتم براءة المعدومين من العمال بعد فوات الأوان ، مع شبه إدانة بسيطة للشرطة السرية الأمريكية ، دون تحميلها تلك المجزرة التي وقعت بحق هياكل عظمية لا ذنب لها سوى مطالبتها بالحد الأدنى في الحياة.تخليداً لتلك الذكرى ومنعاً لتكرار همجية الرأسمالية المتوحشة وهي في بداية طريقها للصعود على جثث ومصالح الناس والشعوب تنادت المنظمات العالمية العمالية عام 1889 والتي بدأت تنظيم نفسها بجدية، لتخليد شريان الدم العمالي وجعل (الأول من أيار) كل عام عيداً للعمال في العالم ، معلنين الحقيقة القوية البسيطة التي نطق بها العامل(بيشوب) وهو في طريقه إلى المشنقة قائلاً: " إن في نفسي شيئاً لن تستطيعوا قتله أبدا...". ومع كل المتغيرات الكبرى التي وسمت التاريخ الكوني في بداية القرن العشرين المنصرم وما صاحب ربعه الأخير من انهيارات مدمرة لأحلام ملايين البشر في العدالة الاجتماعية-الإنسانية بحدها الأدنى في الأقل. وما رافق ذلك من وأد للآمال والأحلام و كذلك التغييرات العاصفة التي وسمت بداية القرن الحالي, ومع تصاعد سعار الذئب الأمريكي المتوحش وشراسته ووحدانية قدراته العسكرية وبطشها وتسيده العالم المعاصر, في قطبية أحادية بلا منازع بتوجهات جناحه المحافظ الجديد المتصهين,ومع هذا وغيره فإن ثمة شيئاً في الحياة والذات الإنسانية لا يمكن قتله حقاً, شيئاً في حياة بشرية آمنة- لائقة لا قهر فيها ولا عدوان ولا تمييز بين البشر بغض النظر عن اللون والعرق والجنس والدين والفكر. فالحياة التي لا تعاش ثانية أثمن من أن تهضم من خلال القسوة والعنف والقتل والغدر والتمييز وشراسة البيروقراطيات، وعدوانية التوجهات مهما كان الرداء الذي خلفها أو التبريرات التي تتقنعها ، بالترافق وشراسة وشهوة رأس المال ومصالحه التي تغلف أرق الطبائع البشرية وأعظم الأفكار الإنسانية بجليد لا يمكن لنيران الكون كلها أن تذيبه ، ما لم تخدمه أو تحقق مصالحه . وخلال تاريخ العراق لعب العمال وتنظيماتهم النقابية - المهنية دوراً فاعلاً في البناء الاجتماعي ، ولم تشغلهم التوجهات الطائفية الدينية الرائجة في بازار ساسة عراق ما بعد 9 /4 ، وبعضهم من النكرات واللصوص الذين استحوذوا على المناصب وسرقوا أموال العراقيين وثرواتهم علناً دون وازع من ضمير بالترافق مع صمت القانون عنهم عبر تواطؤات سياسية لا حد لها وتوجهوا لتدمير ووأد الأحلام العراقية بعد التغيير ، ورافق ذلك الرؤى والتوجهات الظلامية مغلقة الأفق والمناطقية والعشائرية. أدت الطبقة العاملة العراقية دوراً اجتماعيا جوهريا منذ أن تبلور وعيها الطبقي- الاجتماعي في منتصف القرن المنصرم فساهمت في وأد الأحلاف, والحكام الذين حاولوا فرضها على العراقيين ,و مواجهة مخططات التصور الكولنيالي الذي سعى إلى تحويل العراق محمية بريطانية. إن مراقبة السجل والسفر النضالي لعمال العراق تاريخياً لا يمكن لفرد واحد توثيقه بسهولة , ولكنه يثير في النفس زهو وعنفوان مجد صناع الحياة وبناة الأوطان و المستقبل، لذا وفي الأول من أيار أتوجه بالدعوة لتأسيس (مركز بحثي- علمي عراقي - مستقل يعنى بدراسة تاريخ ونضال الطبقة العاملة العراقية)، وإذا كان هذا الاقتراح من الأمور العصية جداً ، في وضعنا الراهن على الجامعات العراقية لأسباب معروفة ولم تعد خافية على أحدٍ، فأولى به منظمات المجتمع المدني والجهات المعنية بتاريخ ونضال الطبقة العاملة العراقية، بشرط استقلالية هذا المركز وعدم احتكاره لأية جهة أو حزب ما لغرض تسويق أفكاره عن طريقه ويعمل عليه بعض الباحثين ممن يهمهم جداً توثيق مسيرة الطبقة العاملة العراقية العابرة لكل التخندقات السائدة حالياً. لقد انخرط ملايين العمال بعد /14 تموز 1958 في العمل النقابي التطوعي وتبلورت قدرات الطبقة العاملة العراقية في الدفاع عن منجزات ديمقراطية مدنية كان يمكن أن تحدث تحولات بنيوية – مدنية في المجتمع العراقي ولكن القيادة العسكرية وتوجهاتها الشكوكية خنقت بجهلها ووحدانية ودونية فكرها التحولات الجنينية الديمقراطية- التقدمية في العراق التي كان لها أن تغير وجهه ومصيره، وساهم احتراب القوى السياسية في ذلك, ولم ترتفع كل القوى السياسية للمستوى الوطني المناسب لتلك المرحلة العاصفة, فسارت خلف التيار الشعبي الجارف بدلاً من قي
دعوة لتأسيس مركز يعنى بتاريخ الطبقة العاملة
نشر في: 29 إبريل, 2012: 08:56 م