سلام خياط سأل معلم مادة التاريخ طلاب الصف الخامس الابتدائي، في مدرسة متهالكة الجدران، متصدعة النوافذ، ناشتها بركات النظام الثلاثي (( ثلاث مدارس، في بناية واحدة، تتناوب ساعات الدوام )) الطلبة فيها مشوشة أذهانهم بين الصح والخطأ، يداوم بعضهم يوما ويغيب أياما ( ربما للعمل وتحصيل الرزق).
ما من رقيب ولا إحصائية علمية بشأن عدد المتسربين، ذاك المعلم المرهق بالتبعات العائلية، المعوز في الراتب ورهق السكن وانعدام الدورات العلمية التأهيلية، يسأل طلبة الصف: ما هي أسباب هجرة الرسول محمد (ص) من مكة إلى المدينة؟ يرفع بعض التلاميذ أيديهم، فيشير المعلم لأحدهم أن يتولى الإجابة: أستاذ.. "القاعدة ذبولة ورقة تهديد بالقتل إن لم يترك المنطقة".يكتم المعلم ضحكة أسى مريرة، وينهر بقية الطلاب الذين تضاحكوا على الجواب (النكتة) وينصح الطالب أن لا يخلط الجد بالهزل، ولا يدخل السياسة الراهنة من خرم التاريخ.قال طالب آخر: لأن محمد (ص) من شيعة علي، وأهل مكة كانوا سنة وكفارا، بينهم روافض ونواصب، أمويون وعباسيون هددوا عليا بالقتل، فخاف عليه الرسول الكريم، فقرر الهجرة.طالب آخر رفع يده : أستاذ لأن جبرائيل عليه السلام قال له هاجر فهاجر.طالب آخر رفع كلتا يديه ليلفت اهتمام المعلم: لأن أبو سفيان وزوجته هند آكلة الأكباد، وابنهم معاوية، كانوا يكرهون أمير المؤمنين عليه السلام كره الأعداء، والنبي (ص) يحبه حب الأبناء، فخاف عليه من القتل، فهاجر.طالب يجلس في آخر الصف: سمعت خطبة في قناة (...) الفضائية، إن تجارة ابي بكر خسرت، ونفوذ عمر قد تقلص، لذا قشمروا النبي ( ص ) وشجعوه على الهجرة حتى يسترجعوا ما خسروا في مكة، من خيرات المدينة المنورة.هذه الصورة القلمية، القاتمة بكل تفاصيلها الفاجعة، ليست طريفة تروى لإضحاك الثكالى، ولا كلمة مواساة تقال لتعزية الحزانى،. إنها وقصص كثيرة على شاكلتها، تظهر بؤس الغالبية من النشء الجديد، الذي فقد البوصلة لتبين له الطريق الصحيح لبناء المستقبل. لم يعد في قاموسه غير علي ومعاوية، والحسين ويزيد، وخلايا القاعدة النائمة والمستيقظة. وعلامات ظهور المهدي (عليه السلام )، هذه الحكاية _ غير مختلقة البتة، فالمسيرة التربوية تمر بمنعطف حاد سيؤدي بالنشء الجديد – عماد الدول وثروتها الحقيقية – للانزلاق لقعر الهاوية، ما داموا أسرى المفاهيم السائدة، التي مزجت الدين بالخرافة، والخرافة بكرامات السادة، الأولياء، والانصياع لفتاواهم التي تجاوزها الزمن. حقا.. الشق كبير والرقعة صغيرة، يقولون الأجوبة عمياء، الأسئلة الكبرى هي وحدها المبصرة، فكيف، ومتى، ولماذا؟ وكيف؟ وكيف وكيف؟.
السطور الأخيرة:شر البلية
نشر في: 29 إبريل, 2012: 09:32 م