سرمد الطائيكم اتمنى ان يقوم رئيس الحكومة نوري المالكي بتعميم طريقة ادارته للعلاقة مع ايران، على باقي الاطراف وان يتعامل مع تركيا ومع خصومه الداخليين ايضا بطريقة تعامله مع فريق المرشد علي خامنئي. فريق المالكي يقول "علينا ان نتعامل بدبلوماسية عالية جدا مع ايران لتكفينا شرورها. فإثارة غضب ايران يمكن ان يخلق مشاكل هائلة معنا".
وانا شخصيا اقبل بجزء كبير من هذا المنطق واتمناه كي نضمن ايضا جزءا من التواصل الضروري مع الشعب الايراني وهو من احلى جيراننا ابداعا وحضارة، ويكفي انهم نجحوا تحت حكم "نظام الاطلاعات" في تنظيم اكثر الاحتجاجات تأثيرا وجمالا واثارة للحماس، قبل حلول الربيع العربي.اقبل بجزء من هذا المنطق "المتحمس للاعتدال مع ايران" لكنني استغرب عدم قيام المالكي بتعميمه على باقي الشركاء الاقليميين والمحليين. اتمنى ان اسمع من فريق المالكي بشأن تركيا وايضا بشأن بارزاني والصدر والحكيم والمطلك والنجيفي، كلاما مثل ذلك الذي يقال عن طريقة ادارتنا للعلاقة مع ايران. ماذا سيخسر فريق المالكي لو قال مثلا "علينا ان نتعامل بدبلوماسية عالية مع تركيا كي تكفينا شرورها وتضمن لنا خيرها. فإثارة غضب تركيا يمكن ان يخلق مشاكل هائلة معنا". وماذا سيخسر فريق المالكي لو قال "علينا ان نتعامل بدبلوماسية عالية مع بارزاني او النجيفي او الصدر، كي نضمن خيرهم".المشكلة اذن ان هذه القاعدة "الدبلوماسية العالية" اشتغلت مع ايران دون تركيا. واشتغلت مع ايران دون الشركاء الداخليين، في مرحلة توقف الحوار والبحث عن "طرق سريعة" للاخضاع.اعتماد هذه القاعدة في وسعه ان يجعل التنازلات المتبادلة امرا مشروعا وضروريا. لكن فريق المالكي يعتبر التنازلات مع تركيا او البارزاني والنجيفي والصدر "كارثة مكلفة تؤخر البلاد".واعتماد هذه القاعدة يجعل من اللغة العالية والحذرة والمحسوبة في وصف المشاكل والدعوة الى الحلول، هي الاصل. بينما نلاحظ ان اللغة التي تستخدم في وصف مشكلة المالكي مع انقرة او مشاكله مع شركائه في ائتلاف السلطة، استفزازية رهيبة على طريقة "عليكم ان تأتوني طائعين وإلا جئت بكم بالاغلال مكبلين". وقد بدأ رئيس الحكومة يولع بهذا الاسلوب بعد دقيقتين من الانسحاب الامريكي تحديدا.الى اي درجة كان المالكي يفتقد الدبلوماسية حين فشل جلال طالباني رغم كل جهوده، في اقناع المالكي بالجلوس على طاولة حوار مع شركائه، وهل كان المالكي بحاجة الى اقناع اساسا؟ ألم يكن حريا به ان يبادر هو ويجمع الناس حوله ويتحدث اليهم، كي يجنب نفسه ويجنبنا كل الحبر الذي سال في الحديث عن امكانية او استحالة عقد المؤتمر الوطني؟فريق المالكي يقول ان الحوار يتطلب "كلفة عالية كارثية". لكن "الكلفة العالية" متاحة في الاطار الوطني بمعنى ان العديد من الظروف تشجع المالكي على اعتماد "المرونة العالية" للتعامل مع شريك اقليمي مهم هو تركيا، اي بوابتنا على اوربا. والظروف تشجع المالكي لاعتماد مرونة عالية مع الاطراف الداخلية التي لم يعد من الممكن اخضاعها بطريقة بدائية. المرونة والصبر هما طريق وحيد لاقناع الشركاء بالعمل لانجاح حكومة المالكي. والكلفة المتاحة هي المال الوفير لدينا وتطبيع علاقاتنا المتواصل مع الدنيا. ويهمنا ان تقبل علينا الدنيا هذه لتجد حزبنا الحاكم، حكيما مع شركائه. ليضمن بقاءه طرفا رئيسا في لعبة السياسة حتى لو خسر يوما منصب رئيس الحكومة ضمن عملية التداول السلمي للسلطة.ولكن ما هي النتيجة اذا اصر فريق رئيس الحكومة على اللجوء لمنطق "الاخضاع بالقوة"؟ هل ستكون اقل من مواجهة خطيرة تعرض استقرارنا للخطر بعد كل التضحيات؟ وهل ستكون سوى مناسبة يبدد عبرها المالكي فرصة ان يظل الشركاء يعملون معا؟ان بديل ذلك انقسامات اعمق تدفع الاطراف الاخرى الى تعميق الحل الفدرالي الذي يمكن ان يحول المالكي يوما الى مجرد "اكبر موظف" في عاصمة ذات صلاحيات تشريفية. وكل هذا لانه كان يتحلى "بدبلوماسية هادئة ومعتدلة" مع ايران، بينما ظل يعامل شركاءه بمنطق "الاخضاع بالقوة" الذي يصلح للاستخدام فقط في جزر معزولة يحكمها شيخ قبيلة لا احد يعبأ برعاياه.
عالم آخر:اعتدال مع ايران وتشدد
نشر في: 29 إبريل, 2012: 10:04 م