عدنان حسينمن الواضح أن الحكومة تبذل كل جهد مستطاع لإلحاق البنك المركزي بها والسيطرة عليه بطريقة ما، أسوة بالهيئات المستقلة التي قضمتها الحكومة الواحدة بعد الأخرى. وتكرار التلميحات ثم التصريحات الصادرة عن مسؤولين حكوميين ومساعدين لرئيس الوزراء يفضح رغبة في نشر مظلة حكومية على البنك.
بعض هؤلاء المسؤولين والمساعدين والمستشارين ينفون أي نية للاستحواذ على البنك ويكررون النفي، لكن العلامات الدالّة على الطمع الحكومي في البنك تتزايد وتكبر. فالبنك متهم من الحكومة مرة بعدم التعاون معها في تأمين الأموال من الاحتياطي لتغطية العجز في النفقات الحكومية، ومرة ثانية بضعف إجراءاته الرقابية على حركة الأموال ما يتسبب في تهريب مبالغ الى الخارج، ومرة أخرى وليست أخيرة بالتواكل في الدفاع عن قيمة الدينار العراقي التي تراجعت بعض الشيء أخيراً، ويقال ان السبب الحقيقي لهذا التراجع مرتبط بعمليات شراء وتهريب كميات كبيرة من العملات الصعبة من داخل العراق لصالح النظامين الإيراني والسوري المُعاقبين دولياً، ويعتقد البعض أن عمليات الشراء والتهريب هذه تتم بمساعدة أطراف نافذة في الحكومة والبرلمان.بصرف النظر عن جدية هذه الاتهامات وعن طبيعة الأهداف المتوخاة من توجيهها، وبصرف النظر عما يقال أيضاً خارج هذه الاتهامات من عدم أهلية محافظ البنك الدكتور سنان الشبيبي لإدارة هذه المؤسسة، فإن الطريقة التي يطرح بها ويعمل بعض المسؤولين والمساعدين الحكوميين المقربين من رئيس الوزراء هذه الاتهامات (أو الحجج) تشير الى ان الحكومة راغبة في الأقل في أن يكون لها دور ما في تحديد سياسات البنك وإدارته.بالطبع لا يعمل أي بنك مركزي في العالم بعيداً عما تعمله الحكومة، فهما شريكان، إذ لا يمكن للبنك المسؤول عن السياسة النقدية أن يعمل في معزل عن الحكومة المسؤولة عن السياسة المالية، والاقتصادية عموماً.لو لم تكن ثمة أطماع حكومية في البنك المركزي تشبه تلك التي تُرجمت هيمنة على مفوضية النزاهة وهيمنة مماثلة في الطريق الى مفوضية الانتخابات، لكانت الحكومة قد عملت وفقاً للأصول في توجيه الملاحظات والانتقادات ودخلت في نقاش بناء ومثمر مع إدارة البنك.هل، مثلاً، ترى الحكومة ان تكتيكات البنك وحتى استراتيجياته تؤثر سلباً في الحياة الاقتصادية وفي تقديم الخدمات الى الناس؟ يمكنها ان تقترح أو تدعو الى عقد مؤتمرات وندوات وحلقات نقاش يبحث فيها خبراء البلد هذه القضايا بالتفصيل لينتهوا الى توصيات تقدم الى المعنيين في البنك والحكومة. الحكومة كانت قد شنّت حملة على هيئة النزاهة ورئيسها بحجة أنها لا تكافح الفساد المالي والإداري كما ينبغي. وقد نجحت في تغيير إدارة الهيئة وفقاً لما تريد، فهل كافحت الهيئة بإدارتها الجديدة الفساد كما ينبغي؟ حتى الآن لم يظهر أي دليل على ذلك. وكذا الحال بالنسبة لمفوضية الانتخابات، فالحملة على هذه الهيئة لم تسفر عن مفوضية أكثر حياداً ونزاهة ومهنية واستقلالية، بل ان الدلائل تشير الى ان المفوضية القادمة لن تكون أحسن حالاً من سابقتها، ولا يمكن أن تكون كذلك مادام نظام التعيينات فيها يستند الى التوافقات الحزبية والطائفية والقومية.بجد نخشى أن يكون التغيير في إدارة البنك المركزي، إن حصل بالوصفة الحكومية، تغييراً نحو الأسوأ.
شناشيل :التغيير في البنك المركزي
نشر في: 29 إبريل, 2012: 10:04 م