علي حسينفي زمن غابت فيه السياسة وحلت مكانها العشوائية، صارت الحكومة تفاجئنا بمواقف كوميدية تجعل المرء يضحك مرة ويبكي مرات عديدة. منذ أن تفجرت تظاهرات الشباب في شباط من العام الماضي والحكومة ومقربوها مشغولون في توصيف وتسمية ذلك الذي حدث.. هل هو تظاهرات معادية تنفذ أجندة أجنبية، أم مجرد "ثلة من اللصوص" يريدون سرقة الانجازات الحكومية كما ظلت تصر قيادة عمليات بغداد. تعتقد الحكومة بسذاجة شديدة أن مجرد تغيير وصف التظاهرات سيحل المشكلة وكأن كل ما جرى مجرد خلاف من اجل الاستحواذ على السلطة، وليس مطالب شعبية يترتب عليها تغيير شامل في بنية البلاد السياسية والاقتصادية والأمنية.
مشكلة الحكومة من البداية، شأن معظم ما تفعله، هو التخبط والعشوائية والتصرف بسياسة ردود الأفعال، فهي من جانب تقف ضد السماح بتظاهرات الشباب وتجند قواتها الأمنية لمحاصرتهم ومطاردتهم في الشوارع وإذا اقتضى الأمر اعتقالهم وسحق عظامهم، في الوقت نفسه لا تتردد في مباركة التظاهرات التي تنظمها التيارات الدينية، ولا يتردد في إرسال من يمثلها في هذه التظاهرات، بل وتبدو طيبة ومتسامحة للغاية، لكنها أبدا لا تستطيع أن تسامح أو تسمح لحزب عريق مثل الحزب الشيوعي ان ينظم مسيرة احتفالية في مناسبة ارتبطت بوجدان العراقيين جميعا واعني بها ذكرى العيد العالمي.. سيقول البعض ان حكومتنا الموقرة محقة في هذا الأمر فهي لا تزال تسير على خطى "القائد الضرورة" الذي قرر في لحظة الهام تحويل جميع العمال الى موظفين، ولان قرارات القائد ملزمة لنا جميعا مهما اختلفت الأزمان فان القانون الذي اصدره عام 1987 لا يزال ساري المفعول، وبهذا فان لا وجود لطبقة عاملة حتى تحتفل بعيدها.. وبهذا يكشف الحزب الشيوعي عن مخططاته للانقضاض على السلطة عبر مسيرات وتظاهرات سيطلق عليها زورا مسيرة عمالية.هذا ما حدث بالضبط، فقد قدم الحزب الشيوعي العراقي طلبا رسميا إلى الجهات الحكومية الرسمية، للحصول على ترخيص بتنظيم تجمع جماهيري ومسيرة من ساحة الفردوس إلى ساحة التحرير. إلا أن الرد كان هذه المرة مفاجئا تماما. فبعد مرور ثمانية أيام كاملة من تقديم الطلب، جاء تلفونيا.. بالرفض! وكانت الحجة التي سيقت تلفونيا ايضا، إن هناك تعليمات بعدم إجازة التظاهرات في ساحة التحرير، اما ساحة الفردوس ففيها أعمال ترميم وصيانة. يمكن تفهم أن تأخذ الحكومة وشلاتيغها موقفا ضد شباب التظاهرات لأنهم تجرؤا وتمردوا على أخلاق وقيم حضيرة "الحزب القائد" ورفض الفساد والمطالبة بالإصلاح وتقديم الخدمات، لكن أن يصل الأمر بشلاتيغ الحكومة إلى اتخاذ موقف ضد حزب مشارك لهم في العملية السياسية فهذا ما لا يمكن فهمه.والأكثر غرابة أن تقول الحكومة إنها منعت التظاهرات في ساحة التحرير، فيما نراها كل جمعة تنظم التظاهرات التي تهتف بحياة رئيس الوزراء وتطالب بقطع رقاب معارضيه، فهل تخضع قرارات الحكومة لمزاج شلاتيغ الحكومة أم أن الاحتفال بعيد العمال حرام، فيما التظاهرات التي تهتف بحياة الحكومة حلال، وهل شلاتيغ الحكومة لديهم مقياس يقيسون به درجة التظاهرات وأهميتها، فإن وجدوا أنها لا تحقق أهداف الحكومة قاموا بإلغائها، وان وجدوا إنها تسبح بحمد أولي الأمر قاموا بتوفير المال والرجال وأيضا "باصات" الدولة لنقل المتظاهرين. لا أدري كيف حسبتها الحكومة هذه المرة، ولا ادري إلى متى تستمر هذه الأفعال، ولا ادري متى يمارس شلاتيغ الحكومة فعل الاختلاف المحترم مع شركائهم في الوطن، فالمواصفات المطلوبة في رجل الدولة ليس بينها أن يكون عاجزا عن الاختلاف بنبل ورجولة مع الآخرين. قرار الحكومة منع الشيوعيين من الاحتفال بعيد العمال يجعلنا مصرين أكثر من اي وقت مضى ان نقول بصوت واضح وصريح لا، مرة ومرتين وثلاثا وعشرا، لكل شلاتيغ الحكومة الذين صدرتهم لنا ليتحكموا في رقاب العباد، سنقول لا للمرة الألف، لأن حرية الناس وأمنهم واستقرارهم تساوي أكثر بكثير من المعروض علينا، من بضاعة سياسية فاسدة منتهية الصلاحية.
العمود الثامن:"شلاتيغ" الحكومة وعيد العمال
نشر في: 29 إبريل, 2012: 10:30 م