القاهرة/حسين عيد يتعلق الأمر بظاهرة تكاد تكون (عامة)، تتفشى بين أوساط كتابنا في مختلف أرجاء الوطن العربي الكبير، حين نجد أن لدى كثير منهم رغبة كامنة تمتد إلى (المظهر)، وتنصرف إلى جانب واحد من عالم الأدب، هو فن (الرواية)، وذلك حين يصبح (حلم) كثير منهم أن يشار إليه باعتباره (روائيا)، وأن يعرف بذلك اللقب وحده، كأنه أصبح امتيازا يمنح، أو وساما يعلق!
وربما يكون قد صدرت للواحد منهم مجموعة قصصية أو مجموعتان أو أكثر من القصص القصيرة مع اسمه من خلالها، إلا أن هذا لا يكفيه، بل يظلّ يطارده (حلم) غامض، يملأ عليه حياته ككابوس، فينغص عليه عيشته، ويجعله برما بكلّ شيء، كثير الشكوى ، لا يستمتع بأيّ نجاح حققه ما أنجز في مجال القصة القصيرة! للظاهرة، هنا، شقان: معرفة وحلم . يتعلق جانب المعرفة بأولئك الكتاب الذين نشروا إنتاجا من القصص القصيرة ، ظهر بعد ذلك في مجموعات ، عرفوا بها . ويرتبط الجانب الثاني بحلم ، ينزعون فيه إلى أن يتحرروا من قيد القصة القصيرة ، الذي ارتبطوا به ، إلى عالم الرواية الرحب ، سعيا وراء (زعم) أن لها مكانة أعظم وأسمي في المجتمع !rn * * والآن ، إذا شئنا أن نتأمل هذه الظاهرة ، فلعل الأمر يتطلب تناول نماذج مختارة لأسماء مستقرة ، سواء في مجال القصة القصيرة ، أو المسرح ، أو الرواية .. في مجال القصة القصيرة ، نجد يوسف إدريس خير نموذج ، وذلك حين ارتبط اسمه وذاعت شهرته بما أنجز في مجال القصة القصيرة ، رغم ماله من نتاج متنوع في الرواية والمسرح والمقال. وإذا هو يعترف صراحة – في حوار منشور بجريدة "الأهرام " بتاريخ 20 يوليو 1989 ، ص 11 – خلال إجابته عن سؤال حول أن رواياته تقل فنيا عن إبداعه الأكبر في القصة القصيرة ، قال فيها " ربما كان هذا صحيحا لو كانت هذه الأعمال هي روايات حقا ، كما تدعوها . فلو طبقت عليها معايير الرواية لوجدتها فعلا معيبة فنيا، لأنها في الحقيقة (قصص قصيرة طويلة) تنطبق عليها معايير القصة". هنا ، وقف يوسف إدريس إلى جوار إنجازه الأكبر في القصة القصيرة ، وأعاد تصنيف رواياته ، مرجعا إياها إلى عالمه المتميز في القصة القصيرة!rn* * * فإذا انتقلنا إلى جانب آخر بعيدا عن القصة القصيرة والرواية ، نجد أن الكاتب النيجيري وول سونيكا ، الذي حصل على جائزة نوبل في الآداب عام 1986 ، يقول - في حوار منشور بمجلة "الفنون" الكويتية . نوفمبر 2003 ص 45 – " حسنا ، أقول قبل كل شيء أنني أحيا بشكل أفضل في المسرح ، وهو ما يتحقق بشكل طبيعي حين أدخل مسرحا خاليا ، ودون أن افعل أيّ شيء . هناك شيء حول المسرح يجعل أطراف أصابعي تشعر بوخز خفيف". مرة ثانية، نحن هنا أمام (وعي) كاتب بعالمه الخاص، الذي يجد فيه (راحته). وكما سبق أن وجد يوسف إدريس مستقره في القصة القصيرة، ها هو وول سونيكا يجد مبتغاة في المسرح. وانظر إلى ( موقفه) من "الرواية"، وذلك حين استطرد في ذات الحوار السابق ، قائلا ببساطة "جاءت الرواية بالنسبة لي مصادفة ، فأنا لا أعتبر نفسي روائيا. وإذا تذكرت روايتي الأولى (المفسرون)، أجد أنها نتجت عن حالة إحباط"، ثم أكمل مفسّرا ما يعني"أتذكر حين كنت أكتب (المفسرون)، كنت في ذلك الوقت محروما من الصحبة ، ومن أشياء معينة ، كنت محتاجا إلى أن أسجلها"، ثم يبلور رؤيته بحسم ، قائلا " دائما ما أعتبر (المفسرون) حدثا، فأنا لا أعتبر نفسي روائيا حقيقة . لقد نتجت بالمصادفة بشكل تام". مرة أخرى ، نجد أنفسنا أمام درجة عالية من (تواضع) الفنان الكبير وصدقه أمام إمكاناته. وكما سبق أن اعترف يوسف إدريس بأنه ليس روائيا، هاهو وول سونيكا يجهر بأن الرواية جاءته بالصدفة!
هل يجب أن يصبح القاص روائيا؟
نشر في: 1 مايو, 2012: 07:16 م