حازم مبيضينفي ظاهرة لافتة للنظر, وإن كانت متوقعة, أعلن الرئيس الروسي العائد إلى الكرملين فلاديمير بوتين, استقالته من حزب روسيا المتحدة, لكنه قبل أن يغادر موقعه الحزبي, رشح الخارج من الكرملين للتو ديمتري ميدفيديف, ليحل مكانه رئيساً للحزب والحكومة, معتبراً أن على الرئيس أن يكون فوق الأحزاب,
وأن يكون شخصية داعمة لكل القوى السياسية في البلاد, وهكذا تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل سنوات حكم ميدفيديف الصورية, إذ من المؤكد أن بوتين ظل صاحب الرقم الأول والأصعب في موسكو, رغم أنه لم يكن رسمياً أكثر من رئيس وزراء, في بلد محكوم بالنظام الرئاسي, وبحيث تتجمع كل الصلاحيات السياسية بيد الرئيس, في حين يؤدي رئيس الوزراء المهام الإدارية ليس أكثر.يرى بعض المراقبين للأحوال في روسيا, أن بوتين بقراره مغادرة موقعه الحزبي, إنما يسعى للنأي بنفسه عن حزبه, الذي بات متهماً على نطاق واسع, بالتزوير والفساد السياسي, خصوصاً بعد فوزه في الانتخابات البرلمانية, التي فجرت موجة من التظاهرات, احتجاجاً على نتائجها, والمعروف أن سيد الكرملين سابقاً ولاحقاً, يحظى بشعبية تفوق بمراحل معدلات شعبية حزبه, وأنه في الواقع العملي فإن بوتين هو الذي كان يعطي الحزب, ولم يكن الحزب يعطيه شيئاً, منذ تأسيسه عام 2001 , وكان جلياً أن بوتين هو من نقله إلى موقع الحزب الحاكم بعد تأسيسه بسنتين, وأن وضعه فيه كان على الدوام, هو وضع صانع القرار الأخير. قرار بوتين بات ساري المفعول فوراً, وسيكون ميدفيديف الذي ظل رئيس الظل لفترة أربع سنوات, رئيساً للوزراء مرةً ثانيه, اعتماداً على أن لحزبه أغلبيةً في البرلمان, وإذا كان الرئيسان المتناوبان يصفان علاقتهما بأنها ضرورية, للحفاظ على الاستقرار وتشجيع النمو, وفي ذلك الكثير من الصواب, فإن الكثيرين من المعارضين يرون في هيمنة بوتين على البلاد, بغض النظر عن موقعه الرسمي, أمراً مناهضاً للعملية الديمقراطية، وإن مبادلة وظيفته مع ميدفيدف, لا تقتصر على كونها إجراءً شكلياً, بقدر ما هي عودة مقنعة للحقبة السوفييتية, جدير بالذكر هنا أن بوتين, سيحكم روسيا, فترةً أطول من أي زعيم للحزب الشيوعي. القيصر الجديد لقب يستحقه فلاديمير بوتين بجدارة, فقد ولد عاشقاً للسلطة والأضواء, سعى بعد طفولة قاسية للالتحاق بالجهاز الأكبر نفوذاً في الإتحاد السوفيتي, قبل أن يتجاوز فترة المراهقة, لكن مسؤولي المخابرات نصحوه بالحصول على شهادته الجامعية أولاً, وهو ما قام به, لكنه ظل مغموراً, وموظفا عادياً في الكي جي بي حتى عام 1996, كان الرئيس بوريس يلتسين آنذاك واقعاً تحت تأثير عشقه للخمر, مريضاً بالقلب, وكانت الفرصة مواتية لمن اختاره رئيساً لوزرائه, عمل بنشاط زائد وعينه على الكرملين، وجاءته الفرصة الذهبية في الحرب ضد المتمردين الشيشان, تعامل مع الأمر بقسوة ووحشية, رفعت شعبيته عند مواطنيه الروس, فاستأثر بالسلطة محولاً الساحة الحمراء إلى حديقة خلفية لطموحاته السلطوية, وحين توجب عليه مغادرة الكرملين بعد فترتين رئاسيتين سلم المفاتيح لتابعه وصديقه ميدفيديف, ليضمن عودته الى الموقع الأول بعد أربع سنوات, وهذا ما هو حاصل اليوم.قلنا قبل أربع سنوات إن بوتين سيظل حاكم روسيا الفعلي, وان ميدفيديف سيكون رئيساً صورياً, وان علينا انتظار عودة القيصر إلى الكرملين, وقد صدقت رؤيتنا, لكن بوتين لم يتخل عن تابعه, فأسند له موقعاً مسانداً لطموحاته الشخصية ليظل ممسكاً بكل خيوط السلطة بين يديه, والكثير من الروس يعتقدون أنه يستحق ذلك.
في الحدث: بوتين وميدفيديف التناوب الصوري
نشر في: 1 مايو, 2012: 07:58 م