TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية:خطة ميرابو

أحاديث شفوية:خطة ميرابو

نشر في: 1 مايو, 2012: 10:52 م

 احمد المهنايظهر الشر والخير كما ونوعا في مجال السياسة أكثر مما يظهر في أي ميدان آخر. ان المثل الأعلى الموجه لعمل السياسة هو الخير. ولكن الشر غلب على عمل السياسة في معظم عهود التاريخ. ولقد ولد "علم السياسة" أصلا من اكتشاف هذه المفارقة.والخير والشر على تناقضهما متداخلان. فمن الشر يولد خير والعكس ممكن أيضا. ان الأبيض التام والأسود التمام استثناء:غاندي وهتلر مثلا. أما الخلطة المركبة من الخير والشر فهي القاعدة. انهما عنصران أصليان في تكوين الانسان. ينقص هذا او يزيد ذاك بتأثير عوامل عديدة.
ماري انطوانيت (1755 - 1793 ) رمز للملكية المطلقة. الكونت ميرابو(1749 - 1791 ) رمز لفجر الديمقراطية، فقد كان رئيس الجمعية الوطنية (وهي قيادة الثورة الفرنسية). من منهما أكثر شرا أو خيرا من الآخر؟ كان ميرابو أسد الثورة الفرنسية. وكان هدف الثورة هدم النظام القديم وبناء النظام الجديد. ولكن ميرابو كان شخصا فاسدا ونهما الى ملذات الحياة أقصى حدود النهم. ولذلك باع نفسه بالمال في السر الى الملك وزوجته، وعقد معهما صفقة لانقاذ عرشيهما من الثورة. ان القائد العلني للثورة كان عميلا سريا للملكة ماري انطوانيت وزوجها الملك لويس السادس عشر.وتفتقت عبقريته عن خطة انقاذ تقوم على تهديم الثورة بواسطة الفوضى، من اجل اثارة رعب الشعب وتوجيهه لتأييد النظام القديم من أجل انقاذه باستعادة الأمان. جاء في الخطة الشريرة حرفيا:"ليوجه ضد الشعب أربعة أعداء في آن واحد: زيادة الضرائب، افلاس الخزينة، الجيش، والشتاء القارس"!فزعت ماري انطوانيت من هذا المشروع الذي وصفته بأنه "جنوني من ألفه الى يائه". ان كل هذا الشر العجيب الذي خرج من أبرز زعماء الشعب الثائر، لم يكن ليخطر شيء منه على بال ملكة لم تعرف شعبها، ولم تزر منزلا لواحد من أبنائه، ولم تؤد واجبا واحدا نحوه. وعندما تجاهل البلاط المشروع أيقن ميرابو ان "القطيع الملكي" لم يعد لديه سوى انتظار الجزار. وهذا ما حدث.ولا أعرف ما اذا كان ميرابو هو مبتدع " فزاعة الفوضى لإبقاء السلطة". ولكن المعروف ان الكثير جدا من الأنظمة استوعبت الخطة ونفذتها. فقد افرغت أنظمة كثيرة بلدانها من الأحزاب والساسة بالبطش، فخلقت بذلك "فراغا سياسيا" خدمها وأطال عمرها. ذلك ان الفوضى محتمة اذا انهارت السلطة في بلد خال من الأحزاب والسياسيين. كل الدكتاتوريات، وكل الجمهوريات العربية تقريبا طبقت خطة ميرابو الجهنمية. البديل عنا هو الفوضى أو الاسلام السياسي: هذا ما كانت تقوله الأنظمة التي سقطت بالربيع العربي. وكانت صادقة. فقد كان بعبع الفوضى من صنع يديها. ومن دون يديها أيضا لم يكن بمستطاع التاريخ وحده انعاش الاسلام السياسي. فالقمع قادر على شل عالم الشهادة، لكنه أضعف حيلة أمام عالم الغيب.ولعل خطة ميرابو دخلت الخدمة في التاريخ العربي المعاصر وفي سواه على أوسع نطاق. ورغم ذلك لم يضرب بأحد من مخلوقات ميرابو المثل على جناية تمويت الشعب لإحياء السلطة. أما ماري انطوانيت فقد ذهبت مثلا في الانفصال عن الشعب، وهذه حقيقة. ولكنها لم تكن في ذلك الأولى ولا الأخيرة. فلماذا اشتهرت وخمل ذكرهم؟ هل لأنها فاتنة فريدة وهم بشعون كثيرون؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إيران: لن نسمح بتكرار أحداث سوريا والمسلحون لن يحققوا أي انتصار

المخابرات الفرنسية تحذر من نووي إيران: التهديد الأخطر على الإطلاق

نعيم قاسم: انتصارنا اليوم يفوق انتصار 2006

نائب لـ(المدى): "سرقة القرن" جريمة ولم تكن تحدث لو لا تسهيلات متنفذين بالسلطة

هزة أرضية تضرب الحدود العراقية – الأيرانية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram