سرمد الطائي لا تكمن أهمية حزب الدعوة في كونه بقي على رأس السلطة لثلاث ولايات. وفي الحقيقة فإن هذا الحزب تولى حكم العراق بعد عامين على سقوط صدام حسين، ومن المقرر أن يبقى حتى عام 2014، وفي تلك السنة سيمر على حكمه المتواصل للعراق 11 عاما، أي تقريبا نصف المدة التي بقي فيها صدام حسين حاكما للعراق.
ولكن أهمية هذا الحزب لا تكمن هنا. انه من أقدم التشكيلات السياسية العراقية، وقد تزعمته او كانت في قيادته وجوه بارزة في تاريخنا السياسي والديني، بل إن كل الأحزاب الشيعية تقريبا خرجت من عباءته ومن بين تنظيماته، فلأنه الحزب الأول شيعيا، فقد كان الأكثر انشقاقا طيلة نصف قرن أو أكثر من العمل السياسي. مؤسس المجلس الأعلى محمد باقر الحكيم كان هو وأخوته قادة في حزب الدعوة. عم السيد مقتدى الصدر أب روحي للحزب، ووالده من الدعاة الأوائل. وقل مثل هذا عن باقي الحركات الشيعية. وبين ملايين الضحايا العراقيين يمينا ويسارا، يقف جمهور هذا الحزب في الطليعة، وكلنا نقف إجلالاً لذكراهم.وبشكل ما فإن هذا الحزب يشكل تاريخيا واحدا من آباء العمل السياسي في البلاد. ولحسن حظه فإنه صار على رأس حكومة أتيحت لها اكبر الفرص لتوحيد البلاد روحيا واقتصاديا وثقافيا، وأتيحت له فرصة أن يكون ملهما يجمع بمهارة أفضل ما في هذا البلد ليعيد بث أهم عناصر القوة التي بقيت في حوزتنا كأمة بعد أن تعرضنا إلى تحولات مأساوية وانهيارات وولغ بعضنا في دم بعض وخربنا تقريبا كل شيء.ولسوء حظه أو لسوء حظنا، فإن هذا الحزب ساهم في تبديد فرص لا تحصى في هذا الإطار. لم يقم بإدارة الخلافات بروح "الأبوة" والشراكة التاريخية. وعلينا أن نتذكر أن كل طرف كان يحتج بقوة على طريقة إدارة الدولة، كان يسمع كلمة: "تفضل اطلع برة"، أي أن الحزب كان يقول لشركائه دوما انه قوي، وان كل من لا يعجبه الأمر عليه أن يخرج ويسد باب دار السلطان خلفه. الحزب وبدل أن يكون "أبا" ملهما لباقي الأطراف والأحزاب، كثير الصبر والحلم والحكمة، فإنه كان يسلك الطرق السهلة: الطرد. وقد حصل هذا مع معظم الكتل والكثير من الأفراد. أضف إلى ذلك أن الحزب لم ينجح في تقديم فريق عمل مشهود له بالكفاءة والمرونة والحصافة. بل كان في الغالب يستعين بشخصيات ضعيفة بلا طموح ولا كفاءة، أو شخصيات سليطة اللسان يستخدمها في هجماته الكثيرة. والنتيجة أن كل الكتل تعترض على 7 أعوام من حكم حزب الدعوة، بأشكال مختلفة.لم يتمكن الحزب من إقناعنا بأنه يقدم الخبراء على الموالين. ولذلك فإن رأس الحكومة العراقية طيلة الأعوام السبعة الماضية، ظل ابعد ما يكون عن أفضل الخبرات العراقية في المجالات المهمة، والذين تزخر بهم المنافي او المؤسسات المحلية. ولذلك كان هذا الحزب يتلعثم على طول الخط، ولا يهتدي إلى الخيار المتوازن إلا بعد تخبط شديد، وظلت الدولة كلها تتخبط معه في كل الملفات. وكحصيلة بديهية فإن الحزب لم يتعلم ولم يتطور.مشكلة حزب الدعوة انه ظل يتخبط في تعريف القوة والمصلحة. وظل ماهرا في خلق الأعداء واستفزازهم. ظل يراهن على "طرد الجميع" لإقناع الجمهور بأنه حزب قوي. ولم يحاول أن يجرب إقناع الجمهور بأنه قوي عبر "جمع الناس" بالنبل والحكمة والصبر واستقطاب الأكثر كفاءة، والأكثر اتزانا. مشكلة حزب الدعوة انه بقي حزبا، بالمعنى الضيق والكلاسيكي لحركات الاحتجاج الديني المتخبطة والتي تجر الويلات على جمهورها بسبب سياسات غامضة وراديكالية ومتسرعة.هذا الحديث لا يسر المرء. ومازال في وسع الحزب الذي يمتلك جمهورا واسعا، أن يقوم بمراجعة لأدائه، مع كوادره وحتى مع شركائه القدامى الذين انشقوا عنه. في وسعه ضخ دماء جديدة بين قياداته، وتوسيع فريق عمله لكي يقنعنا بأنه قادر على العمل مع الجميع، لأنه اليوم عاجز عن العمل إلا مع شخصيات موالية وضعيفة وبلا طموح، أو شخصيات سليطة اللسان يستخدمها لإطلاق النار. فرصة المراجعة لم تنته. والجميع لا يريد أن يخسر واحدا من "آباء" للعمل السياسي في البلاد. وكل تحول عميق يطال أداء حزب عراقي كهذا، سيعود بالخير للجميع.
عالم آخر: كي لا نخسر حزب الدعوة
نشر في: 2 مايو, 2012: 08:45 م