عدنان حسينبدلاً من زفّ البُشرى لهم في يومهم العالمي بإلغاء قوانين صدام المُجحفة في حقهم والتقدم الى مجلس النواب بقوانين بديلة تُنصفهم وتُعيد اليهم حقوقهم، اختار رئيس الوزراء نوري المالكي أن يوجّه الى العمال تحذيراً، بل تهديداً، بألا يلجؤوا الى حقهم المكفول دستورياً والمعترف به عالمياً: التظاهر، للمطالبة بحقوقهم والاحتجاج على إهمال الدولة لهم.
السيد المالكي خاطب عمال العراق خلال زيارته الشركة العامة لصناعات السيارات في الإسكندرية في الأول من أيار محذراً مما وصفه " المتاجرة باسم العمال ورفع اللافتات وعمل المظاهرات"، لافتاً الى ان "الاهتمام الحقيقي بهم في مستوى المعيشة والدخل والسكن"، لكنه، وهو رئيس السلطة التنفيذية التي تملك السلطة والمال، لم يُشعل ضوءاً في نهاية النفق المظلم الذي تعيشه الطبقة العاملة في بلد المئة مليار دولار نفطي سنوياً، وإنما تحجج بأن "هناك عقبات أمام مسألة النهوض بالشريحة العمالية" من دون التصريح بهذه العقبات المسؤول عنها البرلمان والحكومة على حد سواء لأنهما في غير وارد تشريع القوانين اللازمة للاهتمام بالقطاع الصناعي وتحسين أوضاع العمال التي تردت بشكل خطير في عهد البعث.مفهوم لماذا يضيق رئيس الوزراء ذرعاً بالتظاهرات، فهو ابن حزب الدعوة الإسلامية وزعيمه الحالي. ومثل سائر الأحزاب الإسلامية لا يضع هذا الحزب الديمقراطية في صلب عقيدته ومبادئه. وكغيره من هذه الأحزاب كان "الدعوة" يعتبر النظام الديمقراطي حراماً لأنّه " يتقاطع مع الإسلام في تأسيسه لمبدأ الشورى"، لكنه في السنوات الأخيرة بدأ، كما بعض الأحزاب الإسلامية (غير السلفية المتشددة)، يحلل الأخذ بالوسائل الديمقراطية (بخاصة الانتخاب) للوصول الى الحكم.مع ذلك فإن حزب الدعوة على مدى خمس وثلاثين سنة، هي عمر نظام البعث البائد(1968 –2003)، أصدر بيانات تعيّر نظام صدام في استبداده ومحاربته الحريات وتدعو الى الثورة عليه لهذا السبب بالذات. ولو جمعنا نسخاً من هذه البيانات لتكدّس لدينا منها ما يملأ غرفة كبيرة. وقد شارك الحزب غير مرة في الاحتجاجات الشعبية ضد نظام البعث، بل انه مضى الى ابعد من ذلك باللجوء الى الأعمال المسلحة، بما فيها الاغتيالات داخل العراق وخارجه. والآن، بعد ان وصل الحزب الى السلطة فإنه يتعامل مع النضال الجماهيري السلمي بطريقة لا تختلف في الجوهر عن الطريقة التي كان يتعامل بها نظام البعث وسواه من الأنظمة الدكتاتورية. التظاهرات حرام، هذه هي رسالة زعيم حزب الدعوة الى عمال العراق وكل الشعب العراقي. والواقع ان السيد المالكي كان قد طبّق تحريمه لحق التظاهر بالقمع السافر الذي واجهت به حكومته تظاهرات العام الماضي.رساالة المالكي الجديدة للعراقيين في يوم العمال العالمي هي تجديد وتأكيد لرسالته العملية التي سقط بسببها عشرات الشهداء والجرحى وتعرض العشرات غيرهم الى الاعتقال والتعذيب الجسدي والنفسي في العام الماضي. شهداء حزب الدعوة الذين سقطوا في المواجهات السلمية والعنفية مع نظام صدام لو قدر لهم ان يعودوا الى الحياة الآن ويروا ان زعيم حزبهم يتقدم الصفوف لقمع الاحتجاجات السلمية التي تطالب بالحرية وحق التظاهر وبتوفير فرص العمل للعاطلين والحياة الكريمة للفقراء والكهرباء والصحة والتعليم وسائر الخدمات للشعب وبمكافحة الفساد المالي والإداري في الدولة التي يساهم حزبهم في قيادتها، هل كانوا سيفخرون بهذا؟ هل كانوا سيضحون بأرواحهم؟ أهكذا يكون الوفاء لشهداء "الدعوة" وسائر شهداء الوطن بأن يصادر قادة "الدعوة" حتى الحق في التظاهر!؟
شناشيل: رسالة المالكي في عيد العمال
نشر في: 2 مايو, 2012: 09:17 م