بيروت / رويترز يكاد المفكر الفلسطيني البارز ادوارد سعيد (1935-2003) يتحول الى أيقونة تفسر نفسها بنفسها، فيؤدي اسمه الى قضية الاستشراق أو يبرز اسمه كلما طرح هذا المصطلح في ظل غياب ملحوظ لدراسات تتقاطع مع ما قدمه في كتابه الاشهر (الاستشراق) قبل أكثر من 30 عاما.
وفي كتاب (ادوارد سعيد ناقد الاستشراق) يسجل ناشره (مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي) في بيروت أن جهود سعيد في درس الاستشراق جعلته يستحق أن يقدم في (سلسلة أعلام الفكر والاصلاح في العالم الاسلامي) وهي السلسلة التي أدرج ضمنها هذا الكتاب.وكان كتاب (الاستشراق) لسعيد حظي باهتمام كبير في دوائر منتمين الى تيارات اسلامية حين صدر في نهاية السبعينيات ولعل تلك الحفاوة هي ما أزعج مؤلفه الذي سجل في تذييل طبعة تالية (1995) أن هناك تفسيرات خاطئة للكتاب رأت أنه يدافع عن الاسلام والعرب ويعادي الغرب بصورة مستترة في حين كان يهدف الى تخطي الهوة بين الشرق والغرب من خلال إثارة قضية التعددية الثقافية.ويقدم مؤلف الكتاب الباحث المصري خالد سعيد (38 عاما) بانوراما لسيرة الرجل وأفكاره وتلخيص كتبه بقدر كبير من الاشادة التي تقترب من التسليم بما انتهى اليه سعيد من آراء "فهو مفكر وانسان ومثقف وكاتب وناقد وعلامة... أخرج سعيد قلمه من غمده بمجرد ظهور الشعر على وجهه وأمسك به ولم يتركه حتى وافته المنية"، وغير ذلك من صفات الاجلال حتى انه يسبق اسم سعيد بصفة "المفكر العالمي" في أكثر من موضع. ويقع الكتاب في 232 صفحة متوسطة القطع.ويقول المؤلف أن سعيد كان يربط الظواهر بأصولها، ففي قراءته للاستعمار الغربي يعود الى الجذور "الى المجازر التي ارتكبها الغربيون عندما اكتشفوا أمريكا حيث قتلوا عددا يتراوح ما بين 60 و 100 مليون من سكانها الاصليين... وكانوا يرون في ما يرتكبونه من مجازر ومذابح واجبا انسانيا ودينيا وأخلاقيا"، بدليل استمرار الروايات والافلام الامريكية في اضفاء صفات الوحشية والتخلف على السكان الاصليين الذين لم يكن اسمهم الهنود الحمر.ويضيف أن سعيد ربط تلك الجريمة بمجازر أخرى تالية بعضها قريب العهد في اليابان والهند والصين والفلبين والجزائر.ويرى أن "نظم التعليم الامبريالية" في الدول المحتلة أو حديثة الاستقلال تهدف الى تعليم الطلبة الادب الانجليزي بهدف "خلق حالة تفوقية طبقية" ويعتمد في ذلك على سيرة ادوارد سعيد التي صدرت ترجمتها العربية بعنوان (خارج المكان) حين التحق بكلية فيكتوريا بمصر بعد نزوح عائلته عام 1948 من القدس التي ولد فيها.ويقول إن سعيد في هذه الكلية أدرك "أنه يواجه قوة كولونيالية جريحة وخطرة" في مكان يدرس فيه أبناء الكبار الذين "تتم تهيئتهم لتولي الامور بعد رحيل الانجليز" وكان من زملائه الامير حسين الذي أصبح ملكا للأردن.وسجل سعيد في سيرته أن "حياتنا في فيكتوريا كوليدج اتسمت بتشوه كبير لم أدركه حينها... تكلم اللغة العربية.. بمثابة جنحة يعاقب عليها القانون في فيكتوريا كوليدج" وفي كتابه (غزة - أريحا.. سلام أمريكي) سجل أيضا أنه تحمل نصيبه من الشتات والحرمان ولكنه لم يبتعد بفكره وقلبه عن العالم العربي وأنه بعد اضطراره للنزوح "من فلسطين بسبب نكبة 1948 وجدتني أعيش لفترات متفاوتة في مصر - التي قضيت فيها سنوات الصبا - وفي لبنان وفي الأردن" قبل أن يستقر في الولايات المتحدة".ويقول سعيد مؤلف الكتاب وهو باحث في الشؤون الاسرائيلية ان سعيد تحول من أستاذ جامعي الى ناشط فلسطيني منذ حرب 1967، التي استولت فيها اسرائيل على هضبة الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية الفلسطينية وشبه جزيرة سيناء المصرية.ويضيف أن "غرض سعيد هو التأكيد على .. الوجود المستمر لفلسطين وواقع الشعب الفلسطيني.. يحاول أن يعكس تهيئة التاريخ مصوراً احتلال فلسطين على أنه احتلال كولونيالي... يوثق للأسلوب الذي بدأت فيه الصهيونية في تنفيذ مخطط الغزو غير المختلف عن التوسع الاوروبي الكولونيالي في القرن التاسع عشر من خلال مساواة الحركة الصهيوينة بالمستعمرين الأوروبيين، فيشدد على ضرورة النظر الى الصهيونية ليس على أنها حركة تحرر يهودية بل على أنها أيديولوجية غازية".
ادوارد سعيد ناقد الاستشراق..بانوراما عن سيرة الرجل ومنجزه الفكري
نشر في: 4 مايو, 2012: 07:47 م