TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > مــا المثقـف ومـــا دوره؟

مــا المثقـف ومـــا دوره؟

نشر في: 5 مايو, 2012: 08:10 م

سيّار الجميلمثل هذا السؤال كان المفكر ريجيس دوبريه قد أجاب عليه منذ زمن ليس بالقصير، معلناً نهايته في عمل حمل عنوان " المثقف الفرنسي: تتمة ونهاية"، وطالب برنار بيفو، صاحب أحد أهم البرامج التلفزيونية الثقافية في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، بتشكيل هيئة خبراء تقوم بـ تعيين النقاد ورؤساء تحرير المجلات والملاحق الأدبية
 وأعضاء لجان المحلفين المعنية وأساتذة الكوليج دو فرانس.. الخ من أجل استعادة التوازنات، وارتفعت أصوات عديدة تطالب بـ إنقاذ الثقافة والإبداع من براثن الأدعياء الذين ينبتون الأدغال التي تقضي على كل النباتات الرائعة والزهور اليانعة، وحيث أصبح من الصعب جداً على المثقف والمبدع أن يعيش من إنتاجه الرائع، كما كان ذلك أيام الزمن الإبداعي الجميل، ويعترف البعض بأن الوسط الثقافي و الإعلامي والفني.. أصبح مصابا بالتلوث مثل بقية الأوساط الأخرى، يخضع للمصالح والاتجاهات والقوى وسط شبكات من أصحاب الأموال والمافيات والعصابات..rnأما في العراق، فإن اهتراءات الحياة السياسية التي عاشها العراق منذ أربعة عقود من السنين، قد همّشت المبدعين الحقيقيين، واشترت ضمائر كّتاب آخرين  وأقصت العلماء والأدباء والفنانين الرائعين.rnإني أتهم !دعوني أحدثكم عن فرنسا وكيف أصبحت وطن المثقفين بلا منازع، وذلك بتحليل العودة إلى " حدث كبير يشكّل منعطفا أكبر " عرفته حياتها الثقافية بكل تجلياتها، ممثلا بقضية الضابط دريفوس الذي كان قد تم اتهامه علنا بالخيانة، فقالوا بتعامله مع العدو، مما أدى إلى تجريده من مكانته العليا، ومن رتبه العسكرية ومحاكمته وإصدار حكم بإعدامه.. لكن تبيّن أن دريفوس كان بريئا كما ثبت في ما بعد، وبعد أن أعيد النظر بقضيته، إثر إطلاق الكاتب الفرنسي الكبير أميل زولا صرخته الشهيرة على صفحات صحيفة (الفجر) عبر رسالة مفتوحة موجهة لرئيس الجمهورية تحت عنوان "إني أتهم". ومنذئذ أصبحت فرنسا بمثابة " وطن المثقفين " ! وأي مثقفين ؟ إنهم من النوع الثقيل الذين عرف المجتمع قيمتهم.. فما نفعهم إن لم يعرف المجتمع قيمتهم ؟ إن العراق اليوم قد ابتلي ببقايا وترسبات السفهاء والمتعصبين والمجانين وهم يعيشون في داخله أو خارجه.. نتيجة ابتذال الثقافة والمثقفين على امتداد خمسين سنة، منهم حاقدون لأسباب سياسية كونهم لم يتمتعوا بحقوق وطنية، ومنهم مأجورون لأطراف عديدة، إذ يتبرعون لها حتى وإن عاشوا على فتاتها، ومنهم خاسرون للسلطة والنفوذ والجاه، فهم يأكلون أنفسهم بأنفسهم.. وليس لهم كما تعودوا منذ صغرهم، أو كما تربوا في مزابلهم على اتهام الآخرين من العراقيين الأبرياء تهما ظالمة ! هم يدركون تمام الإدراك إنهم يظلمون، يجاهرون بتشويه سمعة خصومهم ليس السياسيين، بل حتى المثقفين.. وقد وصلت الاتهامات إلى حد ذهاب العديد من العراقيين إلى المشانق والسجون، نتيجة لأحقاد شخصية كامنة في النفوس ! إنهم مهرة في صنع خصومهم، وهم من أسرع الكائنات بتشويه سمعة أي إنسان، بمجرد اختلافه معه في الرأي أو الفكرة.. فكيف يا ترى سيكون الأمر إن كان الخلاف سياسيا أو حزبيا ؟ تلك الأخلاقيات الوضيعة والأمراض المنيعة خلقت فئات مشوهة حتى وان كان بعضهم يحمل شهادة دكتوراه.. ويعيش في عاصمة الضباب ! وكم يتمنى المرء أن يجد خلافاتهم فكرية وجدلياتهم علمية.. ولكنها شخصية وسياسية وسايكلوجية في كل الأحيان. إنهم عندما يتناطحون، تجدهم جميعا لا يبقون أي خط للرجعة، ولا أي هامش لأي لقاء..rnمتهتكون سياسيونإن المثقف ـ بشكل عام أو خاص ـ ينبغي أن يكون معناه بمثابة طليعة المجتمع وأن يعّبر إبداعيا عن أمنيات نسيجه الاجتماعي، وحيث تتمثل السمة الأساسية لديه في امتلاكه لـ "عقل نقدي". إن هذا "المثقف النقدي" الذي مثله بامتياز عالم الاجتماع الشهير بيير بورديو قد فشل في أن يجمع بين طليعية الفكر وطليعية السياسة في مغامرة مشتركة في أفق التحرير وفي أخصب المجتمعات ثقافة في العالم، ونحن نتكلم عن نخب المثقفين الفرنسيين الرائعة. وكان المفكر الليبرالي الكبير ريمون آرون قد عرض مثل هذا الرأي منذ أواسط عقد الخمسينات الماضي في كتابه الذي يحمل عنوان: أفيون المثقفين. إن بعض من يسمّون أنفسهم بمثقفين أو ساسة عراقيين لا يفيد معهم ما قدمه ريمون آرون، فهو لم يجد إلا بعض المتزمتين لليسار من المثقفين الفرنسيين.. ولكن الأدعياء كثر في العراق، وهم متهتكون باسم العراق، وهم قساة وساديون.. إنهم يرون العراق مجبولا بالدم لزمن طويل.. إن أفيون السياسيين قد دّمر المجتمع، وما زالوا يلوكون تفاهاتهم، ويتنابذون شتائمهم، ويشتهرون بقبائحهم، ويجترون شعاراتهم البالية ! إنهم لم يتعاطعوا أي أفيون، بل هكذا هو نبتهم، وتلك هي تربيتهم التي نشأوا عليها.. ولا يمكنهم أن يستبدلوها حتى مع سقوط الجلادين!rnمفهوم  ذئاب وثعالبومن خلال استقرائنا على مدى سنوات مضت مختلف جوانب المشهد الثقافي سواء في منظومتنا العراقية مقارنة بغيرها، وبكل فجاجاتها وتهرؤاتها، بلا أية تطورات وتبدلات في مجتمع يجمع كل التشظيات والتناقضات، ويزدحم بكل المستويات المعّبرة عن بقايا عشائر وطبقات عليا ووسطى ومنسحقة.. ودمار كل الطيبين وملايين الخيرين تحت عج

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram