علي حسين عبيدهناك من لا يعبأ أو لا يعي حجم التأثير الكبير الذي يعكسه الفكر السياسي الحاكم وطبيعته، على إدارة الدولة ومؤسساتها وأركانها، وأعني بهؤلاء الطبقة السياسية الحاكمة، فكلما كان هذا الفكر متطورا واعيا، وينحو إلى المدنية والتهذيب، حصلنا على دولة ترتكز على الدعائم العصرية المتطورة، ويحدث العكس تماما، حيث ينعكس تدهور الفكر السياسي للطبقة الحاكمة على الاجتماع والتنمية والاقتصاد وما شابه، لذلك في الغرب أو في الدول الناهضة عموما، يقع السياسي الحاكم تحت سلطة الرصد والمراقبة الإعلامية الكبيرة والدقيقة والمتواصلة.
السبب واضح هنا، ليس هناك سياسي حاكم في الغرب يتمتع بحصانة (إعلامية) تحميه من أقلام الكتاب والصحفيين، أو من فرشاة الرسام الساخر، أو من عدسة المصور الصحفي أو التلفزيوني، بل كلما كان السياسي ذا منصب أعلى في الدولة، كان هدفا لسخرية الرسم الكاريكاتيري أكثر من غيره، وليس له الحق في الاعتراض أو المقاضاة، لأن الأمر يتعلق بالحريات الإعلامية أولا، وثانيا لأنه لا يمثل نفسه فقط، فطالما كان ذا مسؤولية كبيرة، فإن أخطاءه تنعكس على الجميع، من هذا التصوّر عليه أن يوافق بالرقابة الإعلامية عملا بالمعادلة التي تقول، كلما كان منصبك أعلى أصبحت أكثر من غيرك عرضة لرقابة الإعلام والناس عموما، لأن عملك لا يخصك وحدك ولا عائلتك، إنك تقوم بخدمة الآخرين مقابل منصبك العالي.في العراق السياسي الحاكم هناك من لا يؤمن بالرقابة الإعلامية، بسبب ضعف الفكر السياسي لديه، فهو يظن أنه شخصية محصَّنة ضد الرقابة، ولا يقبل الرأي الذي يظهر له أخطاءه في هذا المجال أو ذاك، والسبب اعتقاده بأنه لا يخطئ، وأن أفكاره السياسية لا يشوبها الخلل، وثمة مشكلة أكبر وأخطر، أن بعض السياسيين يعرف بأنه على خطأ، وأن الفكر السياسي الذي يدير البلد من خلاله فكر هش، أو ضعيف، ومع ذلك يبقى مصرّا على ما هو عليه، وتندمج الشخصية المقفلة له مع فكره الضعيف، فيظهر ذلك على شكل قرارات وسلوكيات تحصّنه من الرقابة الإعلامية، ومن الآراء التي تحاول أن تظهره على حقيقته، مثال ذلك لدينا مثلا (نائب في احد مجالس المحافظات) رفع دعوى قضائية على وكالة إعلامية محلية لأنها أشارت (بالدلائل) لحالة فساد تتعلق به وبدائرته، وهدد بأسلوب متعال القائمين على تلك الوكالة بالقصاص، وعلى شاكلة هذا النائب لدينا وزراء ومدراء عامون ومسؤولون كثر، ينتمون إلى الطبقة الحاكمة التي لا تحمل فكرا سياسيا مدنيا، يدفعها للإيمان بأن الدولة المدنية لا تُبنى بقمع الإعلام، أو فرض الرأي الواحد، أو التصدي لحالات النقد بأنواعها.لذا حاجتنا للفكر السياسي المتطور المعاصر كبيرة جدا، ولعل أحد أهم الركائز المهمة التي تدعم هذا المسار، (التعددية)، فهي من أهم أسس النظم الديمقراطية الحقيقية، في المقابل، من أخطر الظواهر على العملية السياسية (الأحادية)، لذلك على الطبقة الحاكمة أن تنبذ كليا مبدأ (من لم يكن معي فهو ضدي)، وأن تفتح النوافذ والأبواب واسعة للمشاركة الجماعية في صياغة القرار، بعيدا عن التفرد والاستئثار بالفوائد، على حساب الآخرين، لأن ظواهر الاستئثار والتحجيم والمنع وما إلى ذلك مما تلجأ إليه الطبقة الحاكمة، تنم عن فكر سياسي مغلق، قصير النظر، لا يمتلك مقومات الاستمرار، والسبب، أن ضعف الفكر السياسي وانحساره وقصر آفاقه، ينعكس على الميادين الأخرى بقوة، فتبدو الدولة بأكملها وكأنها رهن طبقة واحدة، تحاول فرض هيمنتها على الجميع، وهذه محاولة لن يُكتب لها النجاح استناداً إلى ما تقوله تجارب التأريخ العراقي أو سواه، القريبة منها والبعيدة.لذا فالعراقيون بحاجة إلى فكر سياسي متجدد، منفتح، متعدد الآفاق، ينتشر أولا بين أفراد وتجمعات الطبقة الحاكمة، ليقضي كليا على الشخصنة بكل أنواعها وأبعادها، ويمنح الجميع (مواطنا ومسؤولا) القدرة على المشاركة في إدارة الدولة وبنائها، وفقا لنظام المؤسسات القوية المنفصلة عن بعضها، بإدارة فكر سياسي مدني معاصر متطور على الدوام.
أحادية الفكر السياسي الحاكم
نشر في: 6 مايو, 2012: 07:40 م