TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية:تكاليف "فن البقاء"

أحاديث شفوية:تكاليف "فن البقاء"

نشر في: 6 مايو, 2012: 09:50 م

 احمد المهنافي أقل من 20 عاما تدهور موقع العرب من قوة اقتصادية وعسكرية مؤثرة في العالم، الى مجموعة عديمة الوزن اقتصاديا وعسكريا. من مجموعة ذات مناعة ومنعة، الى مجموعة مخترقة وضعيفة. في حرب 1973 تضافرت القوة الاقتصادية العربية مع القوة العسكرية العربية. وكان حجم تأثير دول المواجهة النفطية في تلك الحرب أكبر من حجم تأثير دول المواجهة العسكرية.
حدث ذلك عندما قررت الدول العربية المنتجة للبترول، اثناء اندلاع حرب اكتوبر، خفض انتاجها النفطي بنسبة 5% كل شهر، على ان يفرض بعد ذلك حظر على الولايات المتحدة وهولندا. كان ذلك حدثا زلزل "عصر النفط" الذي نعيش فيه، حيث يتوقف كل شيء على هذه السلعة التي لا تقدر بثمن. أسعار النفط ارتفعت تلك الأيام بنسبة 400 %. اوروبا فقدت أعصابها. وصعقت الولايات المتحدة المدينة بمركزها الدولي الأول الى نفوذها على بترول الشرق الأوسط.وانتهت حرب اكتوبر، ومعها أزمة النفط، بخروج العرب قوة يحسب لها حساب، وبحصولهم على عوائد مالية هائلة لا سابقة لمثلها في التاريخ. وبعد 19 عاما من ذلك التاريخ كانت القوة العسكرية العربية قد تضاعفت، مع تحول العراق قوة حربية ضخمة بمقاييس العالم الثالث. وهنا حدث شيء مرير، ورهيب، محا كل ما حققه العرب قبل 19 عاما. احتل العراق الكويت، ونشبت حرب 1991. تقاتلت القوة المالية العربية مع القوة العسكرية العربية. فراح المال وراح السلاح. وهذان الشيئان هما أكثر من مجرد مال وسلاح، فمعهما تزهق آلاف مؤلفة من الأرواح، وتتكون مآس بلا حساب، وتتبدد هيبة، وتتدهور دول، وتنتكس شعوب.وكان احتلال الكويت هو السبب الذي ترتب عليه اجمالا تدهور موقع العرب من قوة دولية مؤثرة، الى مجموعة ضعيفة مضطرة للاستعانة بالحماية الاميركية. ولكن هذا السبب، على خطورته، لا يفسر وحده هذه السقطة السريعة من القمة الى الهاوية. اذ لابد ان هناك اسبابا اخرى.ولعل أهم الأسباب هو ما يمكن اختصاره بالمشروعية. بمعنى ان كل عمل أو قوة بشرية لابد ان تكون له مشروعية، أو معنى. هذه المشروعية تتشكل من الجدوى، الفائدة، أو المصلحة. القوة المالية الناتجة عن ارتفاع عوائد النفط بعد 1973، مثلا، هل اكتسبت مشروعية من خلال استخدامها في ما ينفع الناس كإصلاح التعليم أم انفقت في الزبد الذي يذهب جفاء؟ثروة الأمة من دون استخدامها في خدمة المصالح العليا تفقد المشروعية، تخسر المعنى، وتتحول حتما الى نقمة. نفس الشيء ينطبق على جيش الأمة. اذا فقد وظيفة حماية الأمة ينقلب بطريقة أو أخرى الى عدو الأمة، أو يأخذ وجهة سخيفة كالعدوان او الغزو. القوة عديمة المعنى تفني نفسها في أهداف عديمة المعنى. والمصائر من دون بوصلة ضائعة لا محالة.ان فرصة 1973، الناتجة عن استخدام صحيح نادر للقوة، ضاعت لأن الأنظمة العربية اختزلت كل قواها العقلية والعضلية بالحفاظ على نفسها. فن البقاء، هذا الثقب الضيق، أصبح هو السياسة. وهذه السياسة هي صناعة المفاسد وتبديد المنافع. هي في المحصلة عبث باهظ الثمن. إن الناتج الأخير لفن البقاء هو الفناء. وقد تصلح الانعطافة السريعة من 1973 الى 1991 مثالا كبيرا عليه. أما الأمثلة الصغيرة فتحت النظر وملء البصر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

القوانين الجدلية على جدول أعمال البرلمان يوم غد الثلاثاء

هل أخطأ البرلمان بعدم حل نفسه مبكراً؟

العمود الثامن: لجنة المرأة تحارب النساء

62 حالة انتحار في ديالى خلال 2024 بسبب "الربا"

أزمة جفاف الأهوار.. الأمم المتحدة تؤكد دعمها و«الموارد» تتحدث عن برامج لاستدامة تدفق المياه

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram