حازم مبيضينلم تحدث مفاجأة كانت أقرب إلى المعجزة, في زمن انتهت فيه المعجزات, وسيغادر الرئيس الفرنسي ساركوزي قصر الإليزيه, مسلماً المفاتيح إلى الرئيس الجديد فرانسوا هولاند, وتاركاً للمراقبين والمهتمين مهمة رصد نتائج أفول الساركوزية, ليس في فرنسا وحدها بل على الساحة الأوروبية,
وإذا كان البعض قد راهن على تجيير أصوات اليمين المتطرف لساركوزي, فان هؤلاء خسروا الرهان, لأن النتائج أثبتت أن أكثر من نصف هؤلاء منحوا أصواتهم لهولاند, نكاية وليس عن قناعة بتوجهات المرشح الاشتراكي. حتى قبل ظهور النتائج, كانت الخسارة واضحة في آخر مناظرة تلفزيونية بين المرشحين, حيث أكد هولاند امتلاكه كل المؤهلات المطلوبة لشغل الموقع الرئاسي، تاركاً لساركوزي بؤس مغازلة اليمين المتطرف, في محاولة للحد من آثار قرار زعيمة هذا التيار, باعتماد استراتيجية عدم تأييد أي مرشح في الجولة الثانية, بينما هو بحاجة إلى حوالي 80% في المئة من أصوات أنصار لوبين, لمجرد تدارك الهوة التي تفصله عن هولاند, ومع إعلان تيار الوسط, أنه سيقترع لهولاند في الجولة الثانية, وبما يعني ثلاثة ملايين صوت إضافية, تنضم لأصوات اليسار الراديكالي وأنصار البيئة, البالغة أكثر من خمسة ملايين, فان حصول المرشح الاشتراكي على قرابة 18 مليون صوت كان أمراً محسوماً, وفشلت مراهنة ساركوزي الأخيرة على اجتذاب أصوات الناخبين الذين امتنعوا عن التصويت في الجولة الأولى, وحتى لو حصل عليها جميعاً, فإنها لن تؤهله للبقاء في الإليزيه فترة رئاسية ثانيه. كانت كل المؤشرات تذهب إلى أن ساركوزي سيفشل في الاحتفاظ بموقعه, بعد أن تلقى ضربة مؤلمة وغير متوقعه, حين أعلن أبرز ثلاثين خبيراً اقتصادياً في فرنسا، أنهم يرون أن البرنامج الاقتصادي لهولاند محكم وفعال وعملي، ويتضمن رؤية استراتيجية شاملة ومقنعة, لمواجهة الأزمة الاقتصادية, وهو موقف فاجأ متابعي الشأن الانتخابي الفرنسي, لأن العادة درجت على مناهضة هؤلاء لبرامج المرشح الاشتراكي, لكن تأييد رئيس البنك المركزي الأوروبي المفاجئ لمقترح هولاند، بتعديل معاهدة الاستقرار الأوروبية، وعدم قصرها على إجراءات التقشف بتضمينها بنداً جديداً يهدف إلى إعادة تنشيط الاقتصاد من خلال الاستثمار، أضعفت حجج ساركوزي من جهة، وأعطى لخصمه فرصة مهاجمة سياساته, التي انحازت للأكثر ثراءً بين الفرنسيين, حين منحتهم العديد من الامتيازات والإعفاءات. الضربة الثانية كانت في الكشف عن فضيحة تلقى ساركوزي أموالاً من نظام العقيد القذافي, لدعم حملته الانتخابية عام 2007 , ونشر وثائق هذا التمويل, التي لم يكذبها من المشاركين فيها غير الرئيس المنتهية ولايته, ليضعف صدقيته الأخلاقية, ويمنح الاشتراكيين فرصة مطالبة القضاء بفتح تحقيق عاجل في هذه القضية، وحول تلقيه أموال دعم من ليليان بيتانكور، مالكة مؤسسة لوريال، التي تعد أغنى أثرياء فرنسا, وهما فضيحتان تنضافان إلى مسلسل بغيض من الفضائح المالية التي تلاحقه منذ أشهر، فإذا أضفنا إليها الموقف المعادي للقذافي, والذي وصل إلى حد شن الحرب ضده, نستطيع أن ندرك أن كل أخلاقي فرنسي سيسعى للنأي بنفسه وصوته عن ساركوزي. وإذا كانت القارة الأوروبية تهيأت للتعامل مع اشتراكيي فرنسا, فان بعض العرب سيتأثرون بشكل أو بآخر برحيل ساركوزي ومنهم على وجه الخصوص, الثوار الليبيون, والمجلس الوطني السوري, غير أن بقية دول المغرب العربي المرتبطة بعلاقات سياسية واقتصادية واجتماعية مع فرنسا, بحكم حجم جالياتها هناك, فإنها ترحب بعودة اليسار إلى الاليزيه, على أمل فتح صفحة جديدة في العلاقات مع فرنسا, كما أن الدول التي شهدت ثورات شعبية، كتونس ومصر، تنظر إلى رحيل ساركوزي باعتباره نقطة تحول, للقطع مع سياساته التي أيدت نظامي مبارك وبن علي, ويظل أن دول الخليج ستكون قادرة على هضم التغيير في فرنسا, بحكم قدراتها المالية, التي تحتاج الدولة الفرنسية إلى جذبها, للخروج من أزمتها الاقتصادية التي تؤرق الناخبين, وتعتبر هادياً لهم وهم يتوجهون إلى صناديق الاقتراع.
في الحدث: وداعاً ساركوزي
نشر في: 7 مايو, 2012: 08:39 م