TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > منطقة محررة: عندما تطرد الأوطان شعراءها

منطقة محررة: عندما تطرد الأوطان شعراءها

نشر في: 8 مايو, 2012: 07:54 م

(2-2) نجم واليقبل سنوات قليلة أسست ميلدا أخت الشاعر التكري الخالد ناظم حكمت مؤسسة خيرية، أطلقت عليها اسم أحد أصدقاء ناظم حكمت، الروائي كمال طاهر. الصديقان تعارفا في السجن. كان حكمت قد قضى ما يقارب الـ16 عاماً في السجون التركية. عندما نُقل صديقه إلى سجن آخر، راحا يراسلان بعضهما.
 ما زالت ميلدا تحتفظ بها في ملف ضخم، غلافه أحمر. ولكي تستطيع قراءة الرسائل كان عليها أن تتعلم الخط العربي الذي ألغاه مؤسس تركيا "الحديثة" العسكري كمال أتاتورك قبل أن تدخل ميلدا المدرسة.لقد كتب ناظم حكمت قصائده الأولى بالحروف العربية، على عكس قصائده اللاحقة التي كتبها بالخط اللاتيني. لكن في 1941 أمر مدير السجن السجناء فجأة بالكتابة بالخط العربي. ناظم حكمت الذي كان معروفاً بحبه للمرح، كتب نكتة عن هذه الحادث: "طبقاً للتعليمات العامة أكتب إذن رسائلي بالأبجدية القديمة. ليغفر الله لي هذه الخطوة الرجعية السهلة!". ولأنه كان يعرف بأن الرقابة تقرأ الرسائل، ضمن الرسالة تحية إلى مدير السجن "كمال، أخي، أنني أفتقدك. مع احترامي الكبير لمدير سجنكم". السجون التركية كانت في ذلك الوقت بمثابة مدارس الوطن، لأنها كانت تحتوي على عدد كبير من المثقفين الذين كانوا معتقلين فيها، وناظم حكمت ذاته كان ابناً لموظف كبير في الدولة (كانت وظيفته نائب القنصل التركي في هامبورغ)، يتمتع بمستوى دراسي عال.هناك قصة جميلة عن ناظم حكمت، هي واحدة من قصص السجن التي رواها يشار كمال الأديب التركي المشهور، هو الآخر. في سنوات الخمسينات، سافر يشار ذات مرة كصحفي شاب بالقطار عبر الأناضول. أحد العشاق Asik كما كان يُطلق على المغنين الشعبيين الجوالين الذين انقرض فنهم في زماننا الحاضر، راح يسلي كل ركاب العربة وهو يلقي قصيدة لناظم حكمت. وعندما سأله يشار كمال، من أين يعرف هذه الأبيات الشعرية؟ المغني، الذي لم يعرف القراءة ولا الكتابة، قال بأن أبياته تأتي بالأصل من "عاشق كبير" من أيام السجن. هناك تعلمها صديق له والذي نقلها له، للمغني لاحقاً.منذ موت كمال طاهر، في العام 1973، تقوم ميلدا بترتيب ومراجعة كل ما تركه الأخ من إرث أدبي. وللأسف ليس هناك أحد في تركيا تهمه الكنوز التي تحتفظ به. حتى الاحتفال بذكرى مئوية الشاعر قبل قرابة سنوات، فمنذ ذلك العام، بدأ الاهتمام بشخصها، بعد أن روت في النهاية قصة هروب أخيها عبر البحر لمجلة ألمانية، الصحيفة التركية المشهورة "حريت"، التي أخطأت بتكهنها بقصة الهروب 1951، نقلت القصة عن المجلة الألمانية أخيراً . القصة، قصة الهروب، هي أحب القصص لها، التي ترويها للصحفيين بحماس. في ذلك الوقت كان ناظم حكمت الذي كان في الخمسين من عمره تقريباً، مريضاً، وكان قد غادر للتو السجن بعد صدور قرار بالعفو العام. بوقت قصير بعد ذلك، تسلم الشاعر أمر استدعائه للخدمة العسكرية (في ذلك السن!!). كانت تلك إشارة الى أن السلطات، تريد إرسال الشاعر إلى مكان ما في الجنوب الشرقي من تركيا، في كردستان من أجل تصفيته هناك. وكان معروفاً آنذاك أن بعض المثقفين المتمردين الآخرين قُتلوا بطرق متشابهة. حينها تشاور أفراد العائلة في قضية تهريب الشاعر ناظم حكمت المطلوب "للعدالة". كان الأمر خطيراً لأن الشرطة السرية كانت تراقبه. وبعد مداولات قصيرة توصلوا إلى البحث عن أحد يبيع قارباً بخارياً. وبحجة تجريب القارب، جلبت ميلدا وزوجها القارب للجهة الأوروبية من مضيق الفوسفور بالقرب من المكان "طربيا". من هناك لا يبعد المكان كثيراً عن المصب الذي يقود للبحر الأسود. زوج ميلدا، رفيق سافر مع ناظم إلى خارج البحر وكانت هي ترى الاثنين. "كنت أرجف من البرد، كما لو أنني تجمدت". ثم ذهبت للبيت، لا تعرف إذا كانت المغامرة ستنجح، إلى أن اتصل رفيق بعد الظهر، قائلاً: "زجاجة حليب الطفل تحت الوسادة"، كانت تلك الإشارة المتفق عليها بين الزوجين. التقطت ناظم في البحار العالية سفينة ركاب، لم يشأ قبطانها أن يصدق ما صاده في البحر. ذلك أن القبطان كان يعلق على سطح السفينة صورة ناظم حكمت.في الحقيقة، كل المشاركين بقصة الهروب تعاهدوا ألا يبوحوا بالسر. لكن ميلدا انفصلت عن زوجها بوقت قصير بعد تلك الليلة. الزوج تزوج مرة ثانية وعندما ظهر في بداية الثمانينات للمرة الأولى خبر قصير في الصحف التركية يتحدث عن قصة هروب ناظم شكت ميلدا في أن مصدر ذلك الخبر هو الزوجة الثانية لزوجها السابق. الآن بعد سنوات عديدة لا تريد الأخت الصغيرة أن تترك الأمر للآخرين بأن يرووا قصة هروب أخيها ناظم حكمت.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

إيران: لن نسمح بتكرار أحداث سوريا والمسلحون لن يحققوا أي انتصار

المخابرات الفرنسية تحذر من نووي إيران: التهديد الأخطر على الإطلاق

نعيم قاسم: انتصارنا اليوم يفوق انتصار 2006

نائب لـ(المدى): "سرقة القرن" جريمة ولم تكن تحدث لو لا تسهيلات متنفذين بالسلطة

هزة أرضية تضرب الحدود العراقية – الأيرانية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram