حازم مبيضين لم يكن ممكناً وصف الانتخابات التشريعية السورية، التي جرت الإثنين بأنها كاملة الأوصاف، أو على الأقل أنها معبرة عن إرادة الناس، ذلك أنها تمت في أجواء أمنية متوترة، ورغم ما أعلنه الإعلام الرسمي السوري من إقبال للمواطنين على صناديق الاقتراع، فإن العديد من المراقبين المحايدين أشاروا إلى عزوف المواطن السوري عن ممارسة حقه، إما خوفاً من عمليات تفجير، أو لعدم قناعته بجدواها، والمهم أنها جرت في ظل مقاطعة المعارضة،
التي دعت لإضراب عام، استجابت له بعض المدن، في تعبير عن رفضها وجهة النظر الرسمية، القائلة إن هذه الانتخابات التعددية، ستكون ركيزة أساسية في الإصلاح السياسي، في حين تعتبرها المعارضة مظهراً زائفاً، غير قادر على تغطية عمليات القتل المستمرة ضد مناوئي النظام. لا تعني معارضة المجلس الوطني للانتخابات التشريعية، ومعه كل معارضة الخارج، أن بعض أطياف المعارضة لم تشارك، خصوصاً من الأحزاب السياسية التسعة المرخصة حديثاً، رغم قناعتها أنها لن تكسب الكثير بسبب قصر تجربتها، وعدم معرفة المواطنين لبرامجها، في حين وصف معارضون ما زالوا في دمشق الانتخابات بأنها شكلية، ولن تغير توازن القوى، معتبرين أنه ليس من المهم من الذي يدلي بصوته، لأن الانتخابات مزورة، وهي ضد إرادة الشعب، وتتم دون مشاركة شعبية، وستنتج مجلساً بغير سلطات، حتى لو كانت تخص ضابط مخابرات واحداً، ولا يعني تصريح السلطات السورية، أن الانتخابات تسير بشكل طبيعي، ومراكز الاقتراع تشهد إقبالاً ملحوظاً، في يوم استثنائي، حشدت له السلطة كل المستلزمات التي تحقق سير العملية الانتخابية بشفافية وديمقراطية، أن النتائج سترضي المعارضين سواء شاركوا أم قاطعوا تلك الانتخابات.بديهي أن الانتخابات السورية لم تكن مطلوبة لذاتها، بقدر ما كان مطلوباً منها معرفة رأي الشعب والاحتكام له في اختيار من يحكمه، حيث يتوجب اعتبار رأي الناخب، الأساس الذي يستلهم منه الحكّام شرعيتهم، ويسترشدون به في قراراتهم، لا أن يكون ذهاب الناخب إلى صندوق الاقتراع، ليضع بصمته تاركاً للحكام التصرف بها على هواهم، ولا يعني ذلك أننا نؤيد قرار مقاطعة الانتخابات، بقدر ما يعني توصيفاً للحالة التي تتباين فيها الآراء حول سير العملية الانتخابية، التي عولت عليها دمشق كثيراً للخروج من أزمتها، في حين وجدتها المعارضة فرصة، لإثبات وجهة نظرها حول عدم جدية نظام البعث، في الخروج من الحالة السائدة منذ ما يقرب من خمسة عقود.تتهم المعارضة النظام، بتجيير كل مقدرات الدولة المالية والأمنية، وحتى القضائية، وبما في ذلك صناديق الاقتراع المحسومة نتائجها سلفاً، لصالح استمراره في الحكم، وعلى اعتبار أن نظام البعث يعيش حالة، يصعب فيها تبين الفارق بين وظيفة مؤسسات الدولة، وهل هي موجودة فقط لخدمة الحاكم، أم لخدمة المواطنين، دون تمييز في انتمائهم السياسي أو العرقي أو الديني أو المذهبي، في حين يرى النظام أن معارضيه يعيشون حالة تراوح في السلبيات، ولا تملك من أمرها شيئاً، بحكم ارتهانها لإرادات خارجية، غير معنية بمصلحة المواطن السوري.في كل الأحوال لا يمكن النظر إلى انتخابات تجري في ظل وضع أمني متدهور، على أنها تعبير حقيقي عن إرادة المواطنين، وللأسف فإن هذا هو حال الانتخابات الأخيرة في دمشق، بغض النظر عن من يتحمل المسؤولية في فشلها، وهي عملية لاي مكن إدراجها في مسار التحول الحقيقي نحو حكم ديمقراطي تعددي، لكنها في أسوأ الأحوال تعتبر خطوة، تؤكد أن نظام البعث بعدها لن يكون على الحالة التي سبقتها، وأنها قد تكون خطوة متواضعة على طريق التغيير، الذي عجزت وستعجز المعارضة بشكلها الراهن عن إنجازه.
في الحدث :الانتخابات السورية بين المعارضة والنظام
نشر في: 8 مايو, 2012: 09:03 م