احمد المهناأحدى خصائص الديمقراطية تتمثل بالقابلية الدائمة على انتاج الزعماء. الحزب مصنع سياسي. كذلك البرلمان. ثم المجتمع المدني الذي يمكن أيضا أن تخرج منه مواهب في السياسة.وهذه الأشياء الثلاثة، على كسافة أحوالها في العراق، أنتجت أغلبية طاقم ما سيعرف بالعملية السياسية. وكان لقسم قليل منه تاريخ في معارضة الخارج، بينما حرم البطش وجود مثل هذا التاريخ لدى أهل الداخل، وكانت فرصة الكرد أكبر مع اشتغال مصنع حر للسياسة على أرضهم منذ عام 1991.
ويظن كثيرون ان هذه الفرصة واتت الكرد من فرض الحلفاء الملاذ الآمن عام 1991 في عموم كردستان. لكن الواقع هو أن صدام كان وراء تلك الفرصة. فالغرب فرض ملاذا آمنا، خاليا من اي تواجد أمني أو عسكري لبغداد، فقط في قضاء زاخو. كما فرض الحظر الجوي في الشمال والجنوب.وفي خطوة مفاجئة قرر صدام في خريف 1991 سحب قوات الجيش والشرطة وموظفي السلطة المركزية من محافظات كردستان الثلاث، لأسباب منها ضعفه الأمني والمالي بعد الحرب، اعادة تأهيل وتركيز سلطته في القسم العربي، وإقلاق أمن ايران وتركيا وسوريا بالفراغ الأمني الذي سيخلفه انسحابه من كردستان. وترتبت على انسحابه فرصة طيبة لتحرر الكرد، ونشوء مجال سياسي جديد، ومن ثم الشروع بمهمات انشاء سلطة وادارة ذاتية.ولذلك فان الفراغ السياسي الذي أعقب السقوط كان خاصا بالقسم العربي دون الكردي. وهكذا بدأ العرب بممارسة السياسة على أرضهم بعد 2003 من الصفر، وجل ساستهم وفدوا من الخارج، وكانوا مجهولين لدى أغلبية السكان.ونظرا لهشاشة الأحزاب أو التنظيمات، وضعف المجتمع المدني، اعتقد كثيرون ان البرلمان سيكون الرحم الأهم لإنجاب وجوه سياسية جديدة، لاحتكاك أعضائه المفترض مع جمهور الناخبين، وخضوعهم لاختبارات الاقتراع، والدينامية الخاصة بالحياة النيابية، والعلنية المحيطة بمجرياتها، والأضواء المسلطة عليها.وهذه أسباب تعطي أرجحية للرهان على البرلمان في انتاج وجوه سياسية جديدة، تدين بلمعانها الى فاعلية الحياة النيابية بأكثر مما الى الكتل التي تنتمي اليها، وتكتسب قوة من خلال قدرتها على عبور قنواتها الحزبية الضيقة، الى تمثيل أوسع للرأي العام وتعبير مخلص عن احتياجات الشعب.ولكن هذا الرهان فشل، حتى الآن على الأقل، وبقي النواب ممثلين لأحزابهم أو كتلهم، وهذا أمر طبيعي، ولكن غير الطبيعي ولا السائغ هو خلوهم من أي "لمعة شخصية" خاصة بالدينامية البرلمانية. فمن العسير تمييز أحدهم أو احداهن بسمة برلمانية، أو بشخصية برلمانية، تفرد النائب او النائبة بقدرات على تمثيل الشعب أكبر من تمثيل الكتل.ولعل أسباب ذلك عديدة، منها غياب الديمقراطية في الحياة الحزبية. ثم النظام الانتخابي الذي جعل 17نائبا فقط من 325 يعبرون العتبة الانتخابية. ما جعل "مديونيتهم" عالية الى رؤسائهم وكتلهم. وهناك "نظام الإفساد المالي" المتمثل بصرف 21 مليون و600 ألف دينار شهريا لكل نائب، عدا الرواتب، عن تشغيل 30 عنصر حماية، يتسلمونها وهم أحرار دون رقابة في تشغيل العدد الذي يريدون، أو دون تشغيل أحد بالمرة. ولم نسمع أن أحدهم استغنى عنها أو عن بعضها تبعا لانعدام او لتقليل حماياته.ومن المرجح ان هذه الأسباب تعرقل بناء شخصية "ممثل" للشعب أو "وجه" في السياسة.
أحاديث شفوية:ملاحظة عن البرلمان
نشر في: 8 مايو, 2012: 09:42 م