سلام خياط في بلد مهشم البنى –كالعراق– تغيب عنه الاستطلاعات الميدانية، الأسبوعية، الشهرية، الفصلية، والسنوية، وتنعدم فيه الإحصاءات الرقمية، أو تتوارى خلف خطب التهويل أو التهوين.. عندئذ، لا بد من البحث عن مجس بديل، حي، يتلمس المسؤول من خلال تقاريره، نبض الشارع، يستمع لصوت المواطن المغيب، ويصغي لشكواه.
المسؤول في معظم أقطار الأرض، لا يستطيع التجول يوميا في الأسواق ليراقب الأسعار، او شطحات التجار، ولا بإمكانه الجلوس في مقاهي العامة ليصغي لهموم العاطلين والمتقاعدين، ولا بوسعه أن يجوب المدارس ليرصد معاناة المعلمين، وخواء المناهج وتيه الطلاب، وليس لديه متسع لقراءة كل الصحف، ولا.. ولا...ولا.لذا يغدو ضروريا انتداب من يكون عينا للمسؤول، وحاسة سمع وشم له، في هذا المرفق أو ذاك، لا (وهي لا كبيرة) لا أقصد الحاشية التي حول الرئيس، والتي عموما تسعى للمغانم وانتهاز الفرص.في دوائر صنع القرار في الدول المتقدمة، ثمة مكتب، بكادر متخصص، يرفع للمسؤول خلاصة ما تنشره الصحف، سواء صحف المعارضة والموالاة، يوميا وأسبوعيا، إن ذلك يجنب المسؤول الشطط والوقوع في خطأ الاستنتاج عندما يلقي خطابا أو يرتجل خطبة،، والإخلال بهذا المبدأ، خطأ فادح ربما يفقد السياسي منصبه، وربما يقضي على مستقبله.الشواهد كثيرة، حدث هذا ويحدث في كل مكان وزمان، لا تستثنى حتى أعرق الديموقراطيات في العالم (بريطانيا)، ففي عهد السيدة تاتشر، أفاضت الصحف البريطانية بالحديث عما أطلقت عليه الرجل الغامض (برنارد إينكام) مستشار السيدة الصحفي، الذي محضته الثقة العمياء، كان مكتبه ملحقا بمكتبها، وكان اجتماعه بالصحفيين يجري يوميا وأسبوعيا، وكانت التصريحات التي يطلقها تكفي لتسعير مضاربات البورصة أو إخمادها، أو لتضخيم الأخبار أو تقزيمها، ظل برنارد يسمع رئيسته ما تحب من الأنباء، ويحجب عنها ما تكره، إلى أن أفاقت يوما لفداحة الضرر، وأدركت أن مستشارها الصحفي قد أضر بها أكثر من خصومها مجتمعين، فسرح، وأضطر للاستقالة، ولكن أوان رأب الصدع كان قد فات.محبة الرجل لرئيسته ومحاولة إرضائها جر عليها نقمة وبوار رأي، الإخلاص للبلد ومحض النصيحة ونقل الواقع المر، بكل شوائبه هو الهدية المثلى، وطوق النجاة لصاحب الشأن. مستشارو الرئيس (عيونه ومجساته)، أكثر خطرا عليه من خصومه وأعدائه، بإشارة خاطئة، برأي خديج، بنصيحة فجة، بهمسة زلفى، بود مصطنع، بإخلاص مشوب، تطيح بالمسؤول _ صاحب القرار _ من حالق.. عندئذ لا تشفع له دمعة ولا ينفع معه لوم، ولا يبل غيظه أن يعض على سبابته ألما وندما حتى يسيل منها الدم.... فاختر من يمحضك النصيحة قبل عض الأصابع وقبيل غرق المركب.
السطور الأخيرة :مؤشرات عض السبابة
نشر في: 9 مايو, 2012: 09:35 م