عدنان حسينلفت الكاتب فهد الناصر في "طريق الشعب" أمس الانتباه إلى جانب مهم للغاية من قضية تتعلق بالآلاف من المناضلين الوطنيين الذين تعرضوا هم وعوائلهم للعسف والاضطهاد في عهد النظام السابق بسبب انتمائهم الى القوى المعارضة للنظام أو حتى لمجرد الشك في أنهم من المعارضين أو من المتعاطفين مع القوى المعارضة.
بعد سقوط نظام صدام صدرت قوانين لإنصاف ضحايا ذلك النظام من الشهداء والسجناء والمعتقلين والمهاجرين والمهجرين. وكسائر القوانين واجهت عند التطبيق مشاكل وعقبات عدة، أهمها ان المئات من الكذّابين تقدموا بطلبات لشمولهم بتلك القوانين، وبعضهم من أعضاء حزب البعث وحتى من منتسبي أجهزة الأمن للنظام السابق، مقدمين وثائق مزورة وأخرى صحيحة هي كتب تأييد من أحزاب تولت السلطة بعد 9 نيسان 2003، ويتمتع هؤلاء الآن بالامتيازات التي حُرم منها أصحابها من المناضلين المضطهدين الحقيقيين الذين لم يستطيعوا أن يقدموا وثائق على اضطهادهم وأبت عليهم وطنيتهم ان يستعينوا بوثائق مزورة.أرغب هنا أن أدعم ما كتب عنه الزميل الفهد بتجربة شخصية. فمنذ عشرين سنة كنت قد هاجرت من منفاي السوري الى المنفى البريطاني حيث ساعدني "المنتدى العراقي" في طلب اللجوء السياسي والحصول عليه.المحامية الانجليزية الشابة التي كلفها المنتدى بمتابعة طلبي نظّمت لي جلستَي استماع لتدوين إفادتي التي تدعم طلب اللجوء السياسي. وبين عشرات الأسئلة الدقيقة التي وجهتها لي كان التالي: كل ما شرحته لي ممتاز وتستحق عنه اللجوء السياسي، ولكن هل لديك وثيقة رسمية تدعم أقوالك هذه (المتعلقة بظروف الاضطهاد والملاحقة داخل العراق قبل الخروج سراً باتجاه سوريا ثم لبنان)؟، فأجبتها: سيدتي، لو كان نظام صدام يُعطي على نفسه وثائق كهذه ما كنت قد هاجرت سراً.تفهّمت المحامية وضعي ومنطقي، لكنني قلت لها أن لديّ مقالات صحفية منشورة مناهضة لصدام ونظامه وسياساته، فهتفت: عظيم .. هاتها.كلّفت المحامية الشابة مترجماً محلفاً بترجمة اثنين من المقالات وضمتهما الى الملف بوصفهما وثيقتي تأكيد على معارضتي لنظام صدام. وبالفعل فإن السلطات البريطانية منحتني وعائلتي حق اللجوء السياسي على أساس المقالين فقط.في المقابل عندما عدت إلى الوطن منذ أكثر من سنة كان عليّ أن أتقدم ليس فقط بوثائق اللجوء السياسي الصادرة عن السلطات البريطانية وجواز السفر البريطاني ووثائقي العراقية الأربع (بطاقات الدخول الى الجنة كما يصفها بعض أصدقائي الظرفاء)، وانما توجب أيضاً ان أثبت بشهادة ثلاثة شهود من سكان المحلة البغدادية التي عشت فيها قبل هربي من البلاد منذ أكثر من ثلاثين سنة انني قد فررت لأسباب سياسية، على ان لا يقل عمر هؤلاء الشهود عن 18 سنة وقت فراري.في فرع وزارة الهجرة (الكرخ) سألت الموظفة التي وصلتُ اليها بشق الأنفس وبعد مراجعات استغرقت أسابيع تحتّم عليّ خلالها أن أحضر قبل السابعة صباحاً لأضمن الحصول على رقم يمكنني من تقديم أوراق معاملتي قبل نهاية الدوام الرسمي(بصراحة: بعد أشهر من المعاناة اضطررت للاستعانة بوسطاء لتسريع أمر إرسال معاملتي من الفرع الى الوزارة ثم الى لجنة التحقق في مجلس الوزراء)... سألت الموظفة الشابة إن كانت دائرتها تقبل بأن أقدم لهم ملفاً كاملاً من مقالات صحفية كتبتها ضد النظام السابق ونُشرت في صحف ومجلات عربية وعراقية معارضة وكل واحد منها كان سيؤدي الى قطع رقبتي لو كنت عائشاً في بغداد، فأجابت مع إمارات واضحة من الاستغراب على وجهها: "لا .. هذي مو وثائق رسمية".البريطانيون منحوني حق اللجوء السياسي استناداً الى اثنين من مقالاتي المعارضة لنظام صدام، فيما سلطات بلادي التي تولاها معارضون من أمثالي لا تعترف حتى بالمئات من هذه المقالات! وهذه السلطات لا بد انها تُخطئ في حق الكثير من ضحايا الاضطهاد السياسي، في الأقل لأسباب بيروقراطية.
شناشيل: إضطهاد المُضطهَدين متواصل
نشر في: 9 مايو, 2012: 09:38 م