TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > المسلّح والأعزل!

المسلّح والأعزل!

نشر في: 11 مايو, 2012: 06:52 م

مشرق عباس"للمواطن حق اقتناء قطعة سلاح للدفاع عن نفسه" تلك الجملة تبدو للوهلة الأولى منطقية في بلد يشكل الأمن هاجساً لسكانه كالعراق، لكن واقع الحال يقول إن المنازل العراقية لم تخل من السلاح يوماً سواء صدر تشريع يمنحها هذا الحق أم لا.
فالنزعة إلى اقتناء الأسلحة كانت حاضرة في السلم والحرب وخلال مراحل الأمن أو انعدامه، بل أن الكثيرين يتجاوزون إلى استحصال حق حمل السلاح والاستعراض به ويسلكون في ذلك مسالك عديدة ويبذلون الأموال في سبيله.صورة البعثي أو العسكري أو الشرطي بحلة "الزيتوني" التي يتوسطها المسدس، لم تكن تنافسها في وعينا المرهق والمرتبك إلا صورة المدني ببدلة يبرز من تحتها السلاح كدلالة علنية إلى انتمائه إلى جهاز امني بارز أو مركز نافذ، والحال لم يتغير اليوم حتى بالنسبة لأولئك الذين بات يروق لهم كثيراً التجوال في شوارع بغداد بـ "دشداشة" شفافة و"نعل" ويحرصون على أن يلمح الآخرون أسلحتهم.لكن القضية لا تتعلق فقط بطبيعة حكم البعث والنزعة إلى العسكرة التي انتشرت منذ بداية حكمه، مثلما لا تتعلق فقط بالحروب التي رفعت المواطن المسلح إلى مرتبة اجتماعية تفوق مرتبة الأعزل، بل أنها في شق أكثر وضوحاً تتعلق بذلك الصراع الذي خسرناه كأبناء مدينة مع نزعة التفكير الريفية والبدوية التي كانت ومازالت تصوغ مصائرنا.أكاد أجزم أن الحكومة عندما ناقشت قضية السماح بقطعة سلاح في كل منزل، كانت تستحضر كماً هائلاً من الشكاوى عن محاولة القوى الأمنية تجريد أبناء العشائر والأرياف من أسلحتهم، وأن القرار صدر بعقلية ريفية بحتة وهو أبعد ما يكون عن ثقافة المدينة.فالسلاح ليس مجرد وسيلة دفاع عن النفس في أية قرية على امتداد العالم، وإنما هو امتداد للتكوين الثقافي ولضرورات الحياة، ومهمة المدينة ربما منذ الأزل تتعلق بمحاولة تجريد القادمين إليها من نزعة التسلح واستخدام القوة في تصفية النزاعات، وتعول أحيانا على اندماج أبنائهم في الحياة المدنية كحل طويل الأمد.لكن مدننا كانت عاجزة على الدوام عن أداء هذا الدور، بل أنها مازالت هشة وطيعة أمام القادمين إلى السلطة بجيوش حماياتهم ومرافقيهم ومنتفعيهم وبمفاهيمهم وثوابتهم واستعراضات القوة التي تلتصق بهم.أستطيع أن أدعي أن مشهد "المسلح" لم يكن "مثيراً" قبل قدوم صدام حسين إلى السلطة، فمعه تدفق عشرات الآلاف من أبناء الريف والبادية ليغيروا رويداً ثوابت المدينة، ويكرسوا الهوس باقتناء الأسلحة واستعراضها أو استخدامها.ولم يكن من اليسير تغيير هذا الواقع بعد العام 2003، بل أن التغيير كان بحاجة إلى رؤية "مدنية" تفتقر إليها الدولة العراقية بكل مفاصلها، وحتى بغداد التي تحاول التمسك بما تبقى من ذكرياتها المبددة، لم تكن بمعرض البحث عن دورها، بعد أن حولتها عصابات الإرهاب والمليشيات وقوافل المسؤولين والانفجارات والاغتيالات إلى ملعب كسر عظم طائفي وسياسي غالباً ما تتخذ قراراته في مدن عراقية أخرى.كان الأجدر بالحكومة أن تترك قضية "تسليح المنازل" إلى تطور الوعي الشعبي نفسه من دون أن تتدخل في شرعنته، فأهالي المدن يدركون تدريجياً أن اقتناءهم السلاح أو حمله لن يوفر لهم الأمن على أية حال في غياب تطبيق الدولة واجبها بحماية مواطنيها، بدليل أن الاغتيالات الشخصية طالت ضباط جيش وشرطة مدربين لم ينجحوا في الدفاع عن أنفسهم على رغم حملهم الأسلحة.كان الأجدر بالدولة أن تلتفت إلى مشروع إعادة "المدنية" المنهوبة إلى عاصمتنا وما تبقى من مدننا، كان الأجدر بها أن تؤسس لدولة قانون تعقلن نزعات البداوة والريف بديلاً عن التماهي معها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram