حازم مبيضينلم يكن صباح دمشق قبل يومين مشرقاً، ولا غنياً بزقزقات العصافير وهديل الحمام، لم يذهب الأطفال الدمشقيون إلى مدارسهم بسلام آمنين، ولم تكتمل دورة تشكل الزهر على أشجار غوطة الشام، التي نزفت نسغها دماً مقدساً، لم يفتح التجار محالهم سعياً وراء رزق حلال،
ولا عبثت صبية حسناء بجديلتها، وهي تعاكس نسائم فجر ربيعي، اعتاد أهل الشام على استقباله بالفرح والرضا.قبل يومين استفاقت دمشق على صوت أسود يتردد صداه في أزقتها وبيوتها وحاراتها، ويلطخ جدران مسجدها الأموي بالعويل، صوت إرهابي يسعى لزرع الرعب في قلوب الناس الطيبين، وهو يسعى للسيطرة على مقدرات البلاد والعباد، ويمزق أجساد المواطنين الأبرياء أشلاءً، يوزعها على مدن وقرى سورية ليعم الخراب، ولينعق البوم في حوران وحلب ودير الزور وكل بقعة مقدسة في أرض بلاد الشام.بكل ما يمتلك من خسة ودناءة، ضرب الإرهاب قلب دمشق صباحاً، وتناثرت أشلاء الأبرياء في منطقة القزاز، مثلما تناثرت الاتهامات المقززة، وصمت الفاعل لا خجلاً من جريمته، وإنما خوف من ردة الفعل، على تفجيرين كانا الأضخم والأقسى في سلسلة التفجيرات التي هزت سوريا مؤخراً، والضحية دائماً هو المواطن السوري الذي يدفع الثمن المجاني دماً وعدم استقرار.هل كان الانتحاريان اللذان زرعا في صباح دمشق الوادع أكثر من ألف كغم من المتفجرات، على صلة بالله، أم على علاقة وثيقة بالشيطان، ذلك سؤال معروفة الإجابة عليه، وفي كل الأحوال فإنهما لن يتلقيا سوى اللعنات، ولن يكون مصيرهما غير الجحيم، الخالي من الحور العين، ولن يكتبا في عدّاد الشهداء وإنما سيندرج اسميهما في سجل القتلة والمجرمين. صباح الخميس الدامي في دمشق، كنا على موعد مع محاولة نقل التجربة العراقية المريرة إلى بلاد الشام، المواطن يتلقى العصي، وطرفا النزاع يقومان بالعد، وبديهي أن هكذا عمليات لن تدفع النظام للتنحي، ولن تدفع الإرهاب المتعطش للدم إلى التوقف، وإذا كنا اعتدنا من الإعلام الرسمي المراوغة، والمسارعة في إلقاء المسؤولية عن هكذا عمليات قبل أن ينجلي غبار التفجيرات ويتم جمع الجثث، فإن المعارضين للنظام تفوقوا عليه بالتحليل المبكر وإلقاء الاتهامات المجانية عن بعد، ودون أي دليل.لعل من يقف وراء تفجيري دمشق، يسعى لتكريس مسار جديد للأزمة، يستلهم تجربة العراقيين في العمليات الانتحارية، وبحيث تنفتح الدروب واسعةً للحرب الأهلية على قاعدة الطائفية، وبحيث يكون هذا التفجير استهلالاً بغيضاً لأزمة تطول، ينشغل فيها النظام بالدفاع عن وجوده وقناعاته، وتنشغل فيها الطوائف بالبحث عن حمايتها، فيما يستمر نزف الدم ويدفع المواطن الثمن الأوفى.وبعد، يا ياسمين الشام، وأنت تنزف، نعرف أن عطرك الطيب سيظل فواحاً، ونعرف أن قلبك سيظل أبيض، بعيداً عن الحقد والظلام والظلم والجبر والقهر والاستبداد، ونعرف أيضاً أنك لن تسامح اللائذين بصمت القبور عن المجزرة التي تطاردك صباح مساء، منذ أكثر من عام، ونعرف أن دم الشهداء سيروي جذورك، لتظل تعطي لدمشق ميزتها ولتظل حواريها الظليلة مأوى للهاربين من القيظ، وللطامحين لغد أفضل وأكثر أمناً وأماناً، ونعرف أنك في كل ربيع ستنثر زهرك الأبيض على كل الناس الطيبين.سلاماً وعذراً يا ياسمين الشام.
في الحدث: دم الياسمين الدمشقي
نشر في: 11 مايو, 2012: 08:25 م