عدنان حسين'كان المشهد مُستفزاً .. مشهد الشاحنات الكبيرة الثلاثة المحملة بآلاف الصناديق المعبأة بقناني مياه الشرب البلاستيكية والتي تجاوزتها سيارتنا على الطريق من أربيل إلى بغداد. والاستفزاز ليس مرده إلى مضايقة تسببت بها الشاحنات لسيارتنا وإنما المنظر نفسه كان مثيراً للاستفزاز خوفاً على الصحة العامة للناس.
قاعدة صحية عامة في كل أنحاء العالم تُلزم بعدم تعريض الأغذية والمشروبات إلى ما يتسبب في تلفها وفسادها، وهذا يستدعي تغليف شحنات هذه المواد، وبخاصة المعبأة في أوعية بلاستيكية، لتوقّي تعرضها للشمس وعوامل الطبيعة الأخرى.خروجاً على هذه القاعدة كانت الشاحنات الثلاثة تتهادى على الطريق من أربيل إلى بغداد بحمولتها المكشوفة تحت الشمس الساطعة بقوة .. هذا بالضبط كان مبعث الانزعاج، فالشحنة المحمولة في هذا الشاحنات ستنتهي إلى آلاف الشاربين الغافلين عن الطريقة التي وصلت بها إليهم وعن الأضرار المحتملة التي ستلحق بصحتهم بسبب طريقة الشحن هذه.ومن طريق أربيل – بغداد إلى العاصمة نفسها لا يتغير المشهد المستفز. أمس في الطريق إلى شارع المتنبي، عند ساحة الرصافي بالتحديد المشحونة بالنفايات والمخلفات، كانت عربة يجرها شاب مفتول العضلات مُلئت بشحنة الماء المعبأ في قناني بلاستيكية. قد تكون بعضاً من شحنة الشاحنات الثلاث أو من شحنة أخرى، لكنها كانت أيضاً مكشوفة للشمس.في الجوار(في شارع الأمين والشوارع الأخرى) كان باعة المفرق يعرضون بضاعتهم على الأرصفة.. مياه ومشروبات غازية في قناني بلاستيكية وعبوات أطعمة (تشيكولاتة وبسكت وحلويات) تحت الشمس الساطعة وعرضة للغبار وعوادم السيارات والحشرات.. بغداد كلها على هذي الحال، فما من شارع أو ساحة أو محلة تخرج عن هذا التقليد المستهتر بصحة البشر وحياتهم.يعمل في وزارة الصحة عشرات الآلاف من الموظفين، يتقاضون رواتب لأداء مهمتهم الأساسية، وهي ضمان صحة الناس. ويعمل في الأجهزة البلدية عشرات الآلاف من الموظفين أيضا، ومن بين مهماتهم الأساسية ضمان نظافة الشوارع والساحات ومحلات السكن لضمان الصحة العامة. ويعمل في وزارة الداخلية عشرات الآلاف من الموظفين الذين من واجباتهم ضمان تطبيق القوانين، وبينها القوانين الضامنة للصحة العامة.الذين أرسلوا شحنة المياه المكشوفة للشمس من أربيل إلى بغداد، والذين حملوها في شاحناتهم تحت الشمس، والذين يجرّون العربات المحمّلة بقناني الماء المكشوفة للشمس، والذين يعرضون الأطعمة والمشروبات على الأرصفة تحت الشمس والغبار والحشرات، كلهم ينتهكون قوانين الصحة والسلامة العامة والبلدية، ومن واجب موظفي وزارات الصحة والداخلية والبلديات، بمن فيهم وزير الصحة ووزير الداخلية ووكلاء الوزارتين والمدراء العامُّون فيهما وكبار المسؤولين في مجالس المحافظات والبلديات (هذا يشمل بالطبع مسؤولي مثل هذه الدوائر والأجهزة في حكومة إقليم كردستان)، أن يمنعوا هذا الاستهتار الصارخ بصحة الناس، وإلا فإنهم جميعاً مقصرون في واجباتهم ولا يستحقون وظائفهم ومناصبهم ورواتبهم.
شناشيل :من يوقف هذا النمط من الاستهتار ؟
نشر في: 11 مايو, 2012: 09:28 م