احمد المهناكنا مانزال في بداية درب المنفى، عام 1979، عندما أدلى الشاعر وليد جمعة بهذا التصريح الخطير: جريمة صدام حسين الكبرى هي حمل عراقيين كثيرين على الهجرة، فبسببها انفضحنا بين الأجانب! "مركتنا كانت على زياكَنا"، والآن "انجبت" على العالم.
ترى ماذا تقول يا وليد اليوم وقد أصبح المرق ثخينا ويقدم على الفور من مطابخ الفضائيات الى موائد كل الجهات؟ ان بلاوي المهاجرين في الأمس ليست شيئا معدودا بالقياس الى "الحروب الفضائية" المستعرة اليوم بين قادة العملية السياسية، وكل حرب تذيع فضائح أكبر من سابقتها. ولا نعرف ما جدوى هذه السياسة التلفزيونية لهم وما نفعها للناس. فمربحهم قليل وقرف الجمهور كبير من مجادلاتها السامة واتهاماتها البشعة. هذه أشياء لا تكبر احدا وانما تصغر الجميع. وهل تحتمل صورة السياسة في العراق المزيد من القباحة؟لقد كان عراق الأمس القريب صورة لأعلى مراحل الاستبداد. والاستبداد نسيج محيوك من كل خيوط القباحة. كان صدام يرى بأنه وحده الحق. واليوم تجد بين الساسة من يرتدي نفس النظارة ويقول على الهواء مباشرة: أنا الدستور والآخرون متمردون. أي أنه أيضا وحده الحق. وهذه هي رؤية الاستبداد لنفسه دائما. الحرية هي الحق المتعدد. لكل فيها رؤية عن الحق. لا يوجد الحق بحوزة واحد أحد. الله سبحانه وحده الحق الكامل. اما ادعاء فرد أو جماعة امتلاك الحق الحصري فهو الاستبداد بعينه.ولكثرة ما أدمنت بلداننا على الإستبداد، أصبح هو السياسة، وأصبحت السياسة، كما يقول عالِم جليل، "هي مرآة تحاسدات الحكام ومنافساتهم ومنازعاتهم ومخادعاتهم ومناوراتهم وجرائمهم. وتتفرج الأكثرية عليهم، وكأنها مجموعة من المشاهدين أمام رواية في مسرح غريب. فلا يظهر في الرواية إلا فساد أبطالها. فتصبح السياسة كلها مرادفة للفساد".ويا لها من فرجة اذا كان العراق، بلد الاحتدام، هو المسرح! ان سعار الساسة في أرض السواد يضع الناس على جمر النار. السعار ينطلق من نقطة امتناع الحوار. ثم يصير السعار هو البديل عن الحوار. وكلما سكت الحوار تكلم الاستبداد. وجملة الاستبداد واحدة: الحق أنا والباطل خصمي. والتعبئة لهذه الجملة الظلامية تحتاج الى نيران (F16) يحرق بها كل طرف خصمه. والحصيلة روايات شر هدفها كسب الجمهور، وقد تنجح وقد تفشل، ولكنها في كل الأحوال زيادة في بؤس البلد ويأسه. حرام عليكم. والله حرام. الشعب هلك من معاناة كل هذا الشر. ولعل رحمة الله، التي وسعت كل شيء، تهدينا الى نقل السياسة من طلاب السلطة الى خدام الدولة، من حروب الهواء الى حوار الإخاء، ومن اللسان الى الميدان، من أجل أمن يسود، كهرباء تزيد، تعليم يرتقي، صحة تعم، أعمال تتوفر، شارع للسير، ليل للسهر، رفاه يتوطد، كرامة تتوقد.وأما بعد يا وليد بن جمعة فإن إذاعة الفضيحة لم تعد بحاجة الى هجرة الدار. اليوم تنطلق الى الكوكب من عقر الدار. الفضائيات موجودة. وما كانت الفضائح بين المهاجرين يا وليد؟ فلان بخيل، علان طلق، هذا عشق، ذاك نافق. أنت تمزح. هل هذه فضائح؟ اليوم فلان قتل بشرا وعلان سرق نهرا. أكبر المعاصي ولا يريد القوم أن يستتروا.
أحاديث شفوية :سعار بدل الحوار
نشر في: 11 مايو, 2012: 09:28 م