حازم مبيضينتؤشر نتائج الانتخابات التشريعية في الجزائر إلى أن هناك تلاعباً في النتائج المعلنة ترافق مع عزوف جماهيري عن التوجه إلى صناديق الاقتراع , وبهذا ضاعت فرصة الجزائريين في جعل خامس انتخابات تشريعية تعددية عنوانا لتغيير هادئ سلس, وبديهي أن إحجام الجزائريين عن المشاركة ينبع من قناعتهم أن السلطة ستزور النتائج,
وهكذا فان نسبة المقترعين لم تتجاوز حاجز 43% وبمعنى أن ما يقرب من 11 مليوناً لم يشاركوا في انتخاب المشرعين الجدد وليس لهم من يمثلهم أو يتبنى مصالحهم في البرلمان, وفي ذلك كله دلالات عميقة على رفض الجزائريين لمخططات السلطة المنبثقة عن حزب جبهة التحرير المتفرد بحكم البلاد منذ استقلالها عن فرنسا, ورفض واضح لنداءات الرئيس عبد العزيز بو تفليقه لمواطنيه بالتصويت بكثافة في هذه الانتخابات.المؤكد أن النتائج لاتتطابق مع نظرة المواطنين للسلطة الحاكمة وهي تتهمهم بالفساد ونهب الثروات الوطنية,ومعنى ذلك أنه لايبدو منطقياً أن يذهب المواطن إلى صندوق الاقتراع ليعيد انتخاب من يتهمه بالنهب والفساد ومن حق المراقب الاستنتاج بأن هناك الكثير من الشكوك حول صدقية الانتخابات التي استهدفت كما يبدو ترسيخ قناعة بأن الجزائريين راضون بواقعهم, صحيح أن احترام بوتفليقه دفع البعض للتصويت للحزب الذي ينتمي إليه حاملاً إرث الثورة ضد الاستعمار, لكن ذلك لا يعني مطلقاً الثقة بالحزب المنخور بالفساد والمتفكك إلى ثلاثة أجنحة متصارعة, وبذلك فإن بوتفليقه ساهم في استمرار الوضع البائس بدل أن يدفع إلى تغيير ايجابي يشعر معه المواطنون بأنهم يعيشون في دولة ديمقراطية فعلاً. بالعودة إلى نتائج الدورات الانتخابية السابقة نكتشف أن حزب جبهة التحرير لم يكن قادراً على الفوز بأكثر من 100 مقعد في البرلمانات التي تنافس على مقاعدها أقل من عشرين حزباً, وهنا يصح التساؤل عن كيفية حصول هذا الحزب اليوم على 220 مقعداً في ظل تنافس أكثر من أربعين حزباً على مقاعد البرلمان, إلا إن وافقنا على الرأي القائل إن الاميين وغير المثقفين, هم جماهير هذا الحزب الذي لعب مؤخراً على وتر الزوايا والقبائل والأعراش، لكن علينا ملاحظة أنه بالاضافة الى العدد الهائل للممتنعين عن المشاركة الذين فضلوا ابلاغ السلطة أنهم غير معنيين بالانتخابات, فانه تم إلغاء ما لا يقلّ عن 1.6 مليون ورقة اقتراع بسبب كونها فارغة وبمعنى أن أصحابها رفضوا منح أصواتهم لأي مترشح.يرى بعض المراقبين أن الشعب الجزائري بإعراضه عن المشاركة كان يوجّه إنذاراً أخيرا لحكّامه، مفاده أن من ذهبوا إلى صناديق الاقتراع هم من أرادوا التغيير الآمن رفضاً وخوفاً من التغييرات المترافقة مع العنف, وهؤلاء بالطبع تأثروا بخطاب السلطة التحذيري من نتائج وصول الإسلام السياسي إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع, ولعل ذلك ما يفسر عند هؤلاء المراقبين تصريح وزير الداخلية القائل إنّ الشعب أعرب عن تمسكه بقيم السلم والاستقرار، كما تجذرت المخاوف نتيجة التحريض السلطوي من أي تدخل اجنبي ما دفع المواطنين غير المسيسين للتصويت لصالح الرئيس وحزبه.نتائج الانتخابات الجزائرية لاتختلف عن أي انتخابات تشرف عليها السلطة الحاكمة التي من المؤكد أنها ستفعل كل شيء للاستمرار على مقاعد الحكم, لكن المدهش أن سلبية المواطن ساهمت في نجاح مخططات السلطة فيما يظل مستقبل بلد المليون شهيد معلقاً بين حزب يستثمر دم الشهداء وعمائم تستغل الدين للسيطرة على عقول البسطاء وبين هاتين القوتين أحزاب هامشية لاتسمن ولا تغني من جوع.
في الحدث: الجزائر بعد الانتخابات إلى أين؟
نشر في: 12 مايو, 2012: 08:38 م