TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > عالم آخر: ثقافة "زلزالية"

عالم آخر: ثقافة "زلزالية"

نشر في: 12 مايو, 2012: 09:16 م

 سرمد الطائيكأن ظاهر الأرض يشبه باطنها. هذا ما تكشفه تفسيرات الزلازل الفيزياوية التي تضرب مدن العراق هذه الفترة، وتكشفه توقيتات قشرة الأرض المتأثرة بالصراع العربي الإيراني جيولوجيا تحت الأرض وسياسيا فوقها. والعلاقة بين "الطبقات التكتونية" والسياسة فقديمة كما يبدو، إذ أن غواصات الحرب العالمية الأولى هي التي اكتشفت أهم الزلازل!
وقد بدأ الأمر معي حين ضربت 4 هزات ارضية وسط العراق وجنوبه وشماله خلال اسبوع واحد. وللمرة الاولى اسمع ان الناس اصابها الفزع لان الامور تجاوزت في بعضها الدرجة الخامسة من مقياس ريختر. ولست هنا بصدد التعليق على مناشدات الاهالي او مقترحات خطيب جمعة الكوت الذي تحدث بألم عن افتقاد مدينته لمركز رصد زلزالي، رغم تكهنات بأن بلادنا يمكن ان تصبح في اي لحظة "مرتعا" للزلازل التي لم نكن نعرفها في السابق، ولعلنا سنتعرف على المزيد من الظواهر العجيبة والفريدة، في آخر الزمان.لكنني شعرت بأن علي ان اسد جهلي في موضوع الزلازل بوصفه "مسألة عراقية مستجدة"، وها انا اهرع الى "احدث المصادر" محاولا فهم الصفيحة التكتونية، والطبقات الجيولوجية، والقشرة القارية، والجرف العالق، وبقايا العصر الباستيلي وما الى ذلك.والمفاجأة الابرز في هذا الاطار هو الدور العربي الايراني في صناعة الهزات الارضية! معقولة؟ نعم فالمعلومات التي تتداولها مراكز الابحاث تكشف ان العراق من منظور زلزالي وجيولوجي، يحتل موقعا مشابها لموقعه السياسي والطائفي والديني. اي ان العراق من عالمه السفلي وطبقاته التحتانية، صورة مشابهة للعراق الذي نألفه فوق سطح الارض.وملخص الحكاية ان مدننا تقع بالضبط على نقطة التقاء "الصفيحة التكتونية العربية" مع "الصفيحة التكتونية الفارسية". الاولى تبدأ مع انتهاء مرتفعات البحر المتوسط حوالي الشام، وتنتهي في منطقة جبل سنام غرب البصرة، صعودا نحو جبال كردستان. اما الصفيحة الفارسية فتبدأ في مضيق هرمز (اكيد قرب الصفيحة الهندية) ثم تنتهي على حدود العمارة والكوت.والصفيحة الفارسية منذ آلاف السنين لا تحمل ودا كبيرا بالمعنى الفيزيائي للصفيحة العربية كما تقول الجيولوجيا وعلم طبقات الارض، ولذلك فإنهما حين التقيا أول مرة قبل نحو 200 مليون سنة، لم يلتحما بشكل صحيح وانما اصطدما وخلفا فجوات كبيرة داخل الصفيحة او "التكتون" العميق الذي ظهر فوقه العراق. ويقال ان كثيرا من العوامل كانت تساهم في تبريد وتهدئة الفجوة الجيولوجية العائدة للعصر الباستيلي، لكن هذه العوامل توقفت مؤخرا بشكل مفاجئ، فشعرت "الفجوة التكتونية" بالحرية وراحت تزلزل الكوت والعمارة والحبل على الجرار.وكأن منطق الجيولوجيا الفيزيائي يضبط توقيتاته على ساعة السياسة. اي ان باطن الارض يتأثر بساعات الكتل والطوائف التي تعيش على سطح الارض. وهو من سوء حظنا طبعا، لانه يعني ان تسخين سطح الارض بالصراعات الاقليمية الراهنة، يقابله تسخين لباطن الارض عبر "سلوكيات تكتونية" مخيفة.وهكذا فإن السياسة تتدخل في موضوع الزلازل، والطريف ان الصلة بين علم طبقات الارض والسياسة لا تواجهنا في موضوع العراق فحسب، اذ من تدخلات السياسة تلك التي شهدتها الحرب العالمية الاولى، فأجهزة السونار كانت تنهمك في كشف الغواصات المعادية عن طريق انعكاس الموجات الصوتية. واثناء ذلك قامت هذه الاجهزة بتوفير كم هائل من البيانات والاكتشافات للعلماء أدت إلى الحاق الهزيمة بالخصوم وصياغة نظرية "ألواح البناء" او الصفائح التكتونية.وفي الحقيقة فإن باطن الأرض كما يبدو يشهد صراعا مشابها جدا للصراعات على السطح. لاحظوا مثلا هذا الوصف العلمي للزلزال والذي يتضمن تصادما وانزلاقا وأوزانا وكتلا: "في حركة الألواح المتصادمة ينزلق اللوح المحيطي تحت اللوح القاري، لان وزن الصفائح المحيطية، أكبر من وزن الصفائح القارية". لكن هناك فرق واحد كما يبدو، فتحت باطن الارض "تصعد" الكتلة الاقل وزنا (القارية) اما فوق سطح الارض فتصعد الكتلة الاثقل وزنا. ولا ادري هل الصفيحة العربية هي التي ستصعد ام الفارسية.. لكنني ادري ان العراق وضع قدما على الصفيحة الاولى، واخرى على الصفيحة الثانية، وهو يتعرض نتيجة لذلك الى زلازل فيزياوية وسياسية و"تكتونية".. وساعد الله السلطان على كل هذا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. KIM SARAH

    كان النص جيد و جميل و شكرا لقد استفدت كثيرا من هذه المعلومات

يحدث الآن

إيران: لن نسمح بتكرار أحداث سوريا والمسلحون لن يحققوا أي انتصار

المخابرات الفرنسية تحذر من نووي إيران: التهديد الأخطر على الإطلاق

نعيم قاسم: انتصارنا اليوم يفوق انتصار 2006

نائب لـ(المدى): "سرقة القرن" جريمة ولم تكن تحدث لو لا تسهيلات متنفذين بالسلطة

هزة أرضية تضرب الحدود العراقية – الأيرانية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram