TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: أعباء التاريخ

أحاديث شفوية: أعباء التاريخ

نشر في: 12 مايو, 2012: 09:25 م

 احمد المهناامتلاك شعب ما تاريخا حضاريا غنيا يعرقل تقدمه. هذه وجهة نظر طرحها خالد القشطيني، الكاتب والأديب المعروف، في محاضرة ألقاها بمؤسسة الحوار الانساني في لندن. وقد أثار رأيه، كما هو متوقع، بعض الحضور. فالناس في كل مكان درجت على الاعتزاز بتاريخها، فقيرا كان أو غنيا.
ورأي القشطيني يصح في أمثلة عديدة منها جنوب أفريقيا في الحاضر، ونحن العرب أنفسنا في الماضي. فلا توجد لجنوب أفريقيا حضارة نشأت في التاريخ القديم أو الوسيط. وكانت الحضارة الغربية الحديثة أول عهد البلاد بالحضارات. فقد أنشأ الغرب فيها دولة حديثة اتبعت كما هو معروف نظام الفصل العنصري، بين البيض الوافدين، وهم مؤسسو الدولة وحكامها، وبين السكان الأصليين السود.وسرعان ما استوعب السود الأساليب الحديثة في كل المجالات، ثم استلموا حكم الدولة نفسها، بعد أن نزعوا عنها وجهها العنصري القبيح، فيما اعتبر واحدة من أنجح وأنبل تجارب الشعوب في عصرنا. لقد كانوا خفافا من أعباء الحضارات القديمة، مما سهل عليهم الحركة، بل الركضة، نحو الاندماج في الحداثة أو في العصر.العرب عند اندفاعتهم التاريخية الكبرى من الجزيرة العربية لم يكن لديهم نصيب يذكر من الحضارة في التاريخ القديم. فلما أقاموا امبراطوريتهم استعاروا، من الفرس والرومان،النظم العصرية وقتها في الادارة والصناعة والزراعة. وكانت الاستعارة، او الإستفادة من نظم قائمة في بلدان متحضرة كسوريا والعراق ومصر، سهلة عليهم لأنهم كانوا الحكام، ولأنهم كانوا خفافا أيضا من الأعباء، فكانوا يستجيبون لمتطلبات العصر وضرورات التقدم من دون عقد.ولكن، على العكس من هذين النموذجين، شكل الغنى في التاريخ الحضاري دافعا وراء واحدة من أعظم نجاحات الشعوب في عصرنا: الهند. فهي أيضا ركضت في استيعاب الحداثة، وكونت أكبر ديمقراطية في العالم. وكان للثقافة الموروثة من حضاراتها الغنية أثر كبير في تكوين "عقيدة غاندي"، التي أسهمت في استقلال البلاد ونهضتها الوطنية.وعندما يقال عن بلد ما اليوم بأنه بلد الحضارات فلعل ذلك ينطبق تماما على الهند. ذلك أن تلك الحضارات استمرت في الحياة دون قطائع أو وفيات في هذا البلد الكبير. وهو ما لا ينطبق على بلدان أخرى سادت فيها حضارات ثم بادت، مثل اليونان والعراق وفارس ومصر. فالحضارات القديمة أو الوسيطة في هذه البلدان، ماتت ونسيت، ودخلت هذه البلدان في تواريخ مختلفة مظلمة. فلم يبق من كل حضارات العراق، مثلا، شيء بعدما انقطع عنها وأصبح عثمانيا لأربعة قرون حتى نهاية الحرب العالمة الأولى.وكانت اعادة اكتشاف تلك الحضارات القديمة، بل وحتى العربية الاسلامية التي نشأت في العصر الوسيط، مهمة اضطلعت بها الحضارة الغربية الحديثة. فهي، مثلا، من اكتشفت اللغات المسمارية والهيروغليفية.ولكن"موت" الحضارات القديمة كان جغرافيا فقط. فأحسن أو أهم عناصرها كان يسافر ويحيا في حضارات جديدة تكون في طور النشوء والإرتقاء. الفلسفة اليونانية اندثرت في اثينا، وانتقلت الى بغداد، ثم الاندلس، وماتت في الاثنتين، ثم بعثت اخيرا والى الأبد انطلاقا من ايطاليا عصر النهضة.وصحيح ان أعباء التاريخ تعرقل تقدم العالم العربي الاسلامي. ولكنها أعباء أحدث وأسوأ لأقدم وأزهى عصور ذلك التاريخ.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

البرلمان يتوعد بـ10 استجوابات: ستمضي دون عراقيل

انتحاريون على أبواب حلب.. ماذا يجري في سوريا؟

الدفاع التركية تقتل 13 "عمالياً" شمالي العراق

مجلس ديالى يفجر مفاجأة: ثلاثة اضعاف سرقة القرن بالمحافظة "لم يُعلن عنه"

الشرطة العراقي يغادر إلى الدوحة لملاقاة بيرسبوليس الإيراني في دوري أبطال آسيا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram