حازم مبيضينبغض النظر عن تأييدنا المطلق لحراك شباب الربيع العربي الذي استطاع كنس أربعة أنظمة استبدادية، فإن مواقف الأنظمة الجديدة في مصر وليبيا واليمن من الأقليات تستحق الإدانة والتنديد لأنها تؤسس لحالة غريبة عن الأهداف الحقيقية التي دفعت المواطنين إلى احتلال الشوارع والساحات وقدمت العديد من الشهداء لتحقيق نظام ديمقراطي تعددي حر،
وتعزيز كرامة الإنسان، في حين أن الواقع الراهن في تلك الدول يؤشر تفكك مجتمعاتها وبروز بوادر الحروب الأهلية، ما يضع مصير الأقليات في موقف حرج ولا يدعو للتفاؤل. ويبدو أن الأنظمة الجديدة التي تنتمي إلى الإسلام السياسي تسير على خطى العراق ولبنان، حيث هاجر المسيحيون العرب منهما وفيهم العديد من الكفاءات والعقول التي تركت أوطانها بحثاً عن حياة مستقرة آمنة والتجربة مرشحة للتكرار في سورية، والمؤكد أننا كنا متفائلين بأن يكون ربيع العرب فرصة تاريخية للأقليات تحصل فيها على حقوق المواطنة كاملة ومتساوية في ظل أنظمة ديمقراطية تعددية.وإذا شئنا الاستعراض فإننا سوف نتفاجأ مصرياً بفتاوى تحريضية ضد الأقليات في بلد ظل على مدى تاريخه متعدد الثقافات والقوميات والطوائف، وليبيا عادت حالة الصراع القبلي والجهوي بعد سقوط القذافي، كما أن الثورة اليمنية بوجهها الراهن عمّقت حالة الفشل في الدولة التي حكمها علي عبد الله صالح بعقلية القائد الأوحد لعقود، فلم تعد الدولة قادرة على استعادة عافيتها، والسير ولو خطوةً أولى في طريق المستقبل، وإذا كنا اعتبرنا يوماً أن سقوط نظام صدام حسين كان الإرهاصة المبكرة لربيع العرب، فإن المؤسف والمؤلم أن الوضع القائم اليوم في بلاد الرافدين يشهد ليس فقط تنامي عنصري التعصب والتطرف ضد الأقليات وإنما هو يشمل حتى أبناء الطائفة الواحدة، وخير مثال على ما نقول هو اتهام السيد مقتدى الصدر لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بأنه يريد تشييع البلاد، مع أن الاثنين ينتميان لطائفة كريمة واحدة.ثمة العديد من الأسئلة مطروحة اليوم بقوة، هل يتمتع العالم العربي بخاصية عدم منح الأقليات التي تعيش فيه حقوق المواطنة كاملة؟ وهل كانت الأنظمة الاستبدادية أكثر حرصاً على تلك الحقوق من الأنظمة التي انبثقت من الشارع ويفترض أنها تعبر عن إرادته، واستطراداً هل تؤمن الجماهير بالتفرقة وسيادة مجموعة دينية أو عرقية أو مذهبية على مقدرات الوطن بحكم غالبيتها العددية، أم أن الإسلام السياسي يعتمد على إثارة المشاعر الدينية، ليظل في مقاعد السلطة التي قفز إليها في غفلة من ثوار الربيع، وهل بات تمسك المواطن بحقوقه الطائفية أو العرقية أو الدينية بديلاً عن حقوقه الوطنية التي لن تكون مضمونة بغير هوية وطنية جامعة تحفظ للجميع العدل والمساواة وعلى قدم المساواة وبغض النظر عن أي انتماء غير الانتماء الوطني الذي بدأ اليوم بالتحول إلى عملة نادرة؟لم ولن نفقد الأمل بالربيع العربي، وسنظل نراهن على أن الشعب سيعرف في آخر الأمر إلى أين تقوده بوصلته، ونتمنى أن ندرك سريعاً أن الأقليات يجب أن تحصل على حقوقها كاملة وأن تتمتع بمواطنة متساوية وأن ندرك أيضاً أن الأقليات في عالمنا العربي ممتدون فيه تاريخياً أكثر من الأغلبيات المتواجدة اليوم، وفي أول الأمر وآخره أن الأقليات هم ملح الأرض، قبل أن نكون بحاجة إلى ربيع عربي آخر بلون أحمر.
في الحدث: الأقليات ملح الأرض
نشر في: 13 مايو, 2012: 07:57 م