سلام خياطعلى مدى الشهر المنصرم، تابع الخاصة والعامة عبر الصحف البريطانية والقنوات الفضائية، مجريات الحملة المحمومة التي تسعرت لاختيار عمدة للندن للسنوات الأربع القادمات.ليست المساجلات المحتدمة، ولا المناظرات التلفزيونية ولا الوعود الخلابة في برنامج هذا المرشح أو ذاك هي ما يلفت النظر ويسترعي الاهتمام، بل الأرقام،
والخطوط البيانية، والاستبيانات، والمقارنات بين سنوات مضت وسنوات مقبلات، كانت العمود الفقري في كل ندوة عقدت، وفي كل حديث أذيع.شمر الإعلاميون عن مهاراتهم واستخرجوا الأرقام الإحصائية بمؤشراتها الدالة وخطوطها البيانية الناطقة، ووضعوها في متناول من يريد الاطلاع، ليحسن الاختيار قيل اتخاذ القرار. أيقظوا الملفات الغافية فوق الرفوف، وبين طيات الأقراص الالكترونية، ليعرف المواطن كم عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت، وكم عدد المرشحين، كم عدد الذين أحجموا، والمسببات، كم مركزا انتخابيا استحدث، كم من المنجزات تحققت، كم من الوعود أخلفت، كم من المبالغ رصد لتغطية نفقات الحملات، من هو الممول؟ كم كان تأثير الانتخابات على صعود وهبوط العملة، كم هي نسبة السلبيات قياسا للإيجابيات؟في كل رقم يعلن، يطلق المواطن العربي حسرة مصدور، إذ يمد البصر، فلا يرى في مساجلات الساسة والحكام، أي أثر للرقم، باستطاعة المتحدث مواصلة الكلام والهذر، منذ مطلع الشمس حتى مغيبها، دون أن يكل أو يمل، او حتى يستحي، ارصدوا المقابلات التلفزيونية، والتصريحات الصحفية، وخبروا عن أي ذكر لرقم، يعزز إدعاء، أو يوثق لحقيقة، لو سئل مسؤول عن إحصائيات ميدانية، في الزراعة، في الصناعة، في قطاعات التعليم والصحة والاقتصاد، وو..لتلعثم وتلجلج، فلا يجد من ينقذه من الورطة، إلا العودة لمعسول الكلام، وخلب الوعود معطرا كلامه بمحسنات البيان والبديع ونطف البلاغة. نفتقد لأرقام حقيقية، غير مضللة ولا مبرقعة بالوعود، أرقام ناطقة عن معدلات سقوط المطر، عن مناسيب المياه، عن نسب الملوحة والهدر، أرقام حقيقية عن مساحات الأراضي البور والأراضي الصالحة للزراعة، عن أعداد العاطلين عن العمل، عن عدد المدارس غير المؤهلة، عن أعداد المرضى والمستشفيات الخاوية من المستلزمات والأطباء، عن عدد الخريجين الأميين من الجامعات العشوائية، عن نسبة التربح من بيع الأسئلة الامتحانية. حتى أرقام الميزانية العامة المعلنة، المترجرجة بين التصريح والتلميح، تشوبها الظنون، ما دامت السياسة حاضنتها ومرضعتها. لَكَمْ أتمنى أن يصاب الثرثارون بالعي والخرس، فلا يرتفع لفحيحهم صوت، ليظل المجد للرقم، يصدح بالحقيقة، رغم الزعيق العالي والمهاترات في أسواق الهرج.
السطور الأخيرة: مدفن الأرقام في سوق الهرج
نشر في: 13 مايو, 2012: 08:02 م