د. مهند البراكمن المعروف أن احتكارات تصنيع السلاح و تجارته و خاصة الأسلحة الستراتيجية تخضع لسياسة و مواقف حكومات الدول المصنّعة، و من المعروف أيضا أن بيع الأسلحة بما فيها الأسلحة الستراتيجية صار ممكنا أن يجري عبر السوق السوداء و عبر وسطاء مستعدين لخرق القوانين الدولية مقابل عمولات تصل إلى مستويات فلكية . . و كل ذلك يخضع للمنافسة الحرّة التي لم تعد تنظّمها قوانين كالسابق في زمان توازن القطبين العالميين . .
و لمّا كانت تجارة السلاح كسلعة تحقق أعلى الإرباح في العالم . . تتراكض شركات و احتكارات السلاح لإيجاد أي موطئ قدم لها في مناطق الأزمات والتوترات و المناطق المرشحة للانفجار، و تركّز أبرزها على منطقة الشرق الأوسط والخليج لثرائها النفطي و الستراتيجي من جهة و لتواصل الصراعات الدموية فيها سواء كانت قومية، دينية، طائفية أو تجارية مالية توسعية . . وعلى ذلك تعمل في منطقتنا أنواع الشركات و الاحتكارات سواء كانت من جنسية واحدة أو متعددة الجنسيات و أنواع الوسطاء و الجهات التي تحاول إشعال بؤر التوتر لصالح احتكارات السلاح وتحقيقها أعلى الأرباح . . الأمر الذي يحتّم على حكومات و قوى المنطقة الترويّ و ضرورة اللجوء إلى الحلول السلمية في حل الخلافات سواء بين الدول، أو حل الاختلافات بين الكيانات الداخلية داخل الدول، سواء كانت كيانات دستورية أو موجودة موضوعياً .وفيما تقلق أوسع الأوساط العراقية من تزايد ميول الحكم إلى الفردية في مجتمع لا تزال تسود فيه أركان قوة تشجّع تلك الميول، في وقت لا تزال فيه ثقافة العنف سائدة كموروث ـ و ممارسة ـ لنتائج حكم دكتاتوريات عسكرية وصلت ذروة الفردية فيها في زمان دكتاتورية صدام المنهارة.. ذروة استخدام الرعب والخوف و العنف وصولاً إلى الإبادة الجماعية على أساس قومي كما مارسه ضد الكرد في مأساة حلبجة و الأنفال باستخدام الأسلحة الكيمياوية، و تغييب عشرات الآلاف من الكرد البارزانيين و الفيليين و غيرهم، و مارس أنواع القتل الجماعي بحق المذاهب و بحق حملة الفكر المعارض من المطالبين بالديمقراطية من ديمقراطيين و شيوعيين و ليبراليين . . يزداد القلق من تزايد حدة الخلاف بين أغلب الكتل الحاكمة و كتلة رئيس الوزراء الذي تزداد إجراءاته فرديةً بتقدير تلك الكتل و وفق وكالات الأنباء الوطنية و الإقليمية و الدولية. . ويتركز الخوف من اندلاع صراع عنيف بين الحكومة المركزية في العاصمة و بين حكومة كردستان العراق الفيدرالية، الذي يلاحظ كثيرون بألم ملامحه من حدة الخطابات المتبادلة، إثر تسرب أخبار أفادت بطرح شخصيات عسكرية قريبة من رئيس الوزراء المالكي، بمواجهة القضية الكردية بالقوة المسلحة . . في وقت تتوجه فيه الحكومة المركزية إلى شراء طائرات أف 16 من الولايات المتحدة . و فيما يرى كثير من المراقبين أن القادة الكرد على حق في حذرهم مما يجري، يرى آخرون أن الحكومة المركزية على حق أيضا في تعزيز تسليح جيشها للدفاع عن البلاد بعد تزايد أعداد المتدخلين بشؤون البلاد و الطامعين بثرواتها . . و يطرح الفريقان أنواعاً من الحلول العسكرية لتهدئة الأوضاع : من ضرورة تزويد حكومة كردستان العراق بمنظومة مقاومات أرضية ضد الجو للموازنة... إلى بيع الأسلحة الثقيلة و الستراتيجية للحكومة العراقية بشروط أن تستخدم ضد عدو خارجي باعتبار أن الجيش العراقي و القوة الجوية هما لحماية حدود و أمن البلاد و ليس لمواجهة أبنائها. ويطرح فريق آخر أهمية دراسة مسألة العودة إلى إقامة منطقة حظر جوي على كردستان العراق، كما جرى في السابق، حين تمّت بموافقة دكتاتورية صدام التي خسرت الحرب و بموافقة دول الجوار، باعتبارها سابقة مقبولة حتى من الدكتاتورية حينها.. في ظروف الصراع الدولي الحاد مع إيران بسبب مفاعلها النووي و تصاعد العنف في المنطقة. ويشجّع تلك الطروحات إضافة إلى العسكريين الممتهنين، أنواع الاحتكارات و شركات صناعات و تسويق السلاح إضافة إلى وسطائها والمستشارين المتعددين، في محاولة لجعل المشكلة و كأنها مشكلة عسكرية فقط أو تكنيكية صرفة لتحقيق أعلى مبيعات الأسلحة !فيما يرى أكثر الأوساط الديمقراطية والشعبية إضافة إلى الأوساط السياسية الأكثر خبرة، أن الأزمة القائمة هي أزمة سياسية حقيقية و من الضروري حلها عن طريق الحوار، وعدم ترك الحوار المباشر الواضح بين الأطراف الحاكمة المعنية حفاظاً على ما تحقق إلى الآن منذ سقوط الدكتاتورية وخاصة في قضية التبادل السلمي للسلطة، و ضمان الحق في إبداء الرأي و العمل على التغيير السلمي وفق الدستور وعملاً بروحه.. ويرون أن القادة الكرد محقون في حذرهم مما تسرب كما مذكور في أعلاه، آخذين بالاعتبار حجم السياسات الشوفينية التي اتبعت بحق الشعب الكردي و التي تسببت بسيول من الدماء طيلة أكثر من ستين عاما، و تأثيرات ذلك، إضافة إلى الخسائر بالأرواح والمال، التأثيرات النفسية والفكرية والاجتماعية لذلك، الأمر الذي يتطلب مكاشفة مباشرة لإيجاد حلول لعدم تكرار ما جرى و يجري من جهة ومن جهة أخرى أهمية التشديد الحقيقي على التوعية الرسمية الحكومية الإلزامية ذات العقوبات، بقضية التعددية وتقبّل الآخر واحترام حقوقه، وبصورة أخص في القوات المسلحة، وإشاعة الثقافة والعقيدة العسكرية للجيش بكون مهمته تتركز في الدفاع عن البلاد وحدودها و ليس في ضرب الشعب و مكوّناته وفقاً للدستور
السلاح وثقافة التعددية والحلول السلمية
نشر في: 14 مايو, 2012: 07:02 م