سعاد الجزائريتحت لفحات الحر اللاهب، يمر الطلبة في العراق هذه الايام بمرحلة الامتحانات، الكل يخفق قلبه امام ورقة الاسئلة، لكن الاجوبة تذوب من شدة الحرارة في ادمغة الطلبة قبل ان تصل الى الورقة.فاغلب القاعات تخلو من ابسط اجهزة التبريد، وعلى الطالب ان يصارع الحر من جهة، ويعارك اسئلة لم يكمل اساتذته تدريس منهجها، لانهم مشغولون بالدروس الخصوصية، التي باتت تلتهم ميزانية العوائل العراقية اضافة الى (الفك المفترس)
لاجور المولدات الكهربائية بخطوطها الذهبية، والتي تمتد لاربع وعشرين ساعة، فشراء 10 امبيرات لمدة يوم كامل تكلف 300 ألف دينار عراقي شهريا، فكيف تتدبر امرها العوائل التي تدفع ايجارا شهريا، مع باقي المصاريف اليومية.زرت هذه الايام بيت احدى العوائل، التي ليس لديها، كما هو حال الجميع سوى الحديث عن الكهرباء الوطنية وساعاته التي لا علاقة لها بالنشرة التي تقدمها وزارة الكهرباء وتصرف الاف الدولارات على برنامج تلفزيوني (اعلاني)، يقدم معلومات لا علاقة لها بواقع الحال وبكارثة الانقطاع المستمر للكهرباء، او بمشكلة الكهرباء الرئيسية، التي لم تحل وربما لن تحل، لانها لا تعود بالفائدة على احد سوى الشعب، بينما يتنعم من يجلس على قلبه، بمولدات خاصة، تصل الى بيوتهم مستلزماتها مجانا، لتعمل اجهزة التبريد طوال الصيف، دون انقطاع ولا يعرفون حتى موعد مجيء الكهرباء الوطنية او وقت انقطاعه، فنعيم البرودة انساهم الحر اللافح خارج مجمعاتهم، وأعمى قلوبهم، التي صارت لا تشعر ولا تخفق لرؤية محتاج او مريض..يقال سابقا ان العراقي يرضع السياسة وحب وطنه مع حليب امه، لكنه هذا الرضيع الذي كبر وشاب شعره، لم يعد كما كان، انه يسب كل ما حوله من مشاكل تمتد طوال يومه، لأن كل مستلزمات حياته اليومية تحاصره كالغول، وتدهس كل نبتة فرح تحاول ان تظهر برأسها فوق التربة.العراقي لم يعد يحب السياسة لانها صارت فن الموبقات بعدما كانت فن الممكنات، وتحولت من قيم وشعارات من اجل الشعب، الى شركات تجارية ودكاكين، تبيع بضائع تسمم قوت الشعب وحلمه.والوطن مفردة ركنت على رف النسيان، فالعراقي يبدأ يومه بهموم كثيرة، اولها: هل سيصل الى دائرته دون ان تنتزع روحه مفخخة استطاعت ان تدخل بغداد رغم كل السيطرات التي تسببت في الازدحام الخانق؟ هل سيرضى عنه مديره، وسيبقى في وظيفته، لانه من طائفة تختلف عن طائفة الوزير؟هل سيتمكن من تسديد ديونه التي تزداد يوما بعد آخر، فالراتب لا يبقى منه شيء قبل منتصف الشهر؟هل سيستطيع تعيين ابنه الذي تخرج من الجامعة قبل سنتين، ويعمل الان سائقا في سيارة تاكسي اشتراها جارهم؟هل سيتمكن من اكمال معاملته حول تعديل درجته الوظيفية التي مضى عليها اكثر من خمس سنوات، لانه كلما تقدم خطوة بهذه المعاملة، اعادوه سبع خطوات للوراء؟هل سيستطيع ان يعود الى بيته في المنطقة التي هجر منها لانه ليس طائفيا، ولا يفرق بين الناس الا وفقا لاعمالهم الصالحة او عكسها؟هذه هي الدائرة التي يدور فيها انساننا اليوم، في زوبعة اسئلة عراقية حائرة؟لم يعد للعراقي ذلك الطموح الذي حملته سنوات الستينيات والسبعينيات، واختفت وسامة واناقة رجال ونساء تلك الفترة، وصارت الواننا ترابية تشبه لون المدينة التي نعيش فيها وممزوجة بتراب وطن نغضب منه، لكننا لا نستطيع فراقه مهما قسى علينا.
بين قوسين:أسئلة عراقية حائرة
نشر في: 15 مايو, 2012: 08:40 م