سرمد الطائيملف ميناء الفاو جزء من الامن القومي العراقي. ذلك انه سيحدد مصير ساحلنا البحري الوحيد والذي لا يتجاوز طوله 60 كم، والواقع في منطقة ضيقة على رأس الخليج بين الساحل الايراني الملتهب دوما، والساحل الكويتي الصعب والمعقد والمتقدم علينا في كل شيء. والخبراء يقولون ان نفط العراق سينضب خلال 50 عاما بسبب الطلب المتزايد،
كما ان نهريه العظيمين قد يتحولان الى "جدول" صغير، والميزة التي ستبقى حاضرة هي الموقع الجغرافي الذي يتيح الاستثمار في تجارة النقل والترانزيت الدولي بين آسيا واوربا. وهذا يعني ان اي حديث عن ميناء الفاو هو "استثمار في مستقبل صعب". وهو يعني ايضا اننا نهمل اكثر مفاصل مستقبلنا خطورة، لاننا لم نفعل اي شيء تقريبا في ملف الساحل البحري الوحيد، بل ورفضنا فرصا مهمة في هذا الاطار.والجديد في الموضوع هو ان البصرة اعلنت انها انتزعت ملف ميناء الفاو المتعثر منذ 9 اعوام على طاولة 4 حكومات. لكن البصرة التي تعتزم ان تعرض الميناء للاستثمار، تريد ان تدخل شريكا مع المستثمر بنصف الاسهم. وهي هنا تحتاج الى نحو 4 مليارات دولار (ويقول الخبراء ان الميناء الكبير يكلف 8 مليارات دولار) والبصرة لا تدري كيف تؤمن نصف المبلغ كما يقول المسؤولون.وخلال قراءتي لهذه التصريحات شعرت واتمنى الا أكون متحاملا، ان حكومة البصرة المحلية لا تريد ان تتذكر ان رجل اعمال عراقياً بارزاً، سبق وان اعلن استعداده ان يقدم 25 في المئة من اسهم الميناء الذي عرض بناءه، كهدية للعراق كله لا البصرة وحدها. اي ان القبول بعرض رجل الاعمال العراقي سيحل نصف مشكلة البصرة ونصف مشكلة الاسهم، في تأمين 4 مليارات دولار للدخول كشريك في الميناء.رجل الاعمال الذي يحاول دون يأس الحصول على فرصة بناء ميناء مهم دون ان يدفع العراق فلسا واحدا، هو جوزيف حنا الشيخ الذي كتبت عنه كثيرا وسبق ان اجريت لقاء مطولا معه. الرجل من عائلة تحترف النقل البحري وبناء الموانئ منذ 100 عام، وهي عائلة عملت خلال تلك الفترة بين حلب والموصل وازدهرت اعمالها الكبيرة في البصرة ثم تركت العراق عام 68 بسبب ضغوطات حزب البعث، وراحت تدير اعمالا كبيرة في كل موانئ الخليج، فضلا عن مشاريع على طول الساحل الاسيوي.البصرة اليوم تدعو المستثمرين الى التقدم بعروض لانشاء الميناء. وهي تدخل طرفا رابعا في هذا الملف. فقد كان الطرف الاول حنا الشيخ الذي لم يوافق العراق على مشروعه في انشاء ميناء يدخل الى عمق البحر بمسافة 30 كم، ويستخدم الحجر لطمر مساحات من البحر تخلصنا من ضيق الساحل العراقي ومحاصرة عبادان الايرانية وبوبيان الكويتية. اما الطرف الثاني فهو شركة ايطالية عرضت انشاء ميناء يمثل ربع حجم المشروع الكبير الذي تبشر به العائلة العراقية الخبيرة في شؤون الملاحة. والطرف الثالث كان وزارة النقل التي اصرت على بناء الميناء "بتصريحات ارتجالية" ايام ازمة ميناء مبارك ثم سرعان ما انسحبت.دخول البصرة على الخط يعني ان وزارة النقل عجزت عن فعل شيء. ويعني ان الشركة الايطالية التي يفترض انها جاءت للاستثمار قبل 4 اعوام، لم تقم بشيء والسبب كما يقول الخبراء انها تعيش ظروفا مالية صعبة للغاية بسبب ازمة منطقة اليورو. والحكومة المحلية اذ تدعو المستثمرين للتقدم بعروضهم، فإن امامها فرصة التفاوض مع حنا الشيخ، وستكسب بذلك خبرة معترفا بها دوليا، يمتلكها سليل عائلة بصرية موصلية، وسيولة مالية جاهزة تعهد بها مصرف لازار الفرنسي كما يؤكد ذلك نائب رئيس الجمهورية السابق السيد عادل عبد المهدي الذي كان متحمسا مع برهم صالح رئيس حكومة كردستان السابق، لفكرة حنا الشيخ. والاهم من ذلك ان البصرة ستكسب في اطار هذا العرض اسهما مجانية تمثل 25 في المئة من اصل المشروع، ويبقى عليها توفير ملياري دولار فقط لهذا الغرض.حين قمنا سابقا بتغطية لهذا الملف، تحمس له طرفان. الاول المحافظ خلف عبد الصمد الذي راسل وزير النقل بشأن حنا الشيخ مرارا، ولا اعرف ما انتهى اليه الامر بينهما. والثاني التيار الصدري الذي قام بالاتصال برجل الاعمال العراقي ووعد بدعمه في البرلمان. الامر حاليا على طاولة عبد الصمد وهو من كتلة رئيس الحكومة نوري المالكي، وطاولة التيار الصدري.. قبل ان يكون مجرد "مستقبل صعب" على بحر الفاو.
عالم آخر: البحر والصدر وخلف عبد الصمد
نشر في: 15 مايو, 2012: 09:05 م