احمد المهنالطالما عرف العرب في تاريخهم الحديث "قضايا" شغلت اهتمامهم، وأخذت من وقتهم وجهدهم، وأدت الى نشوب صراعات بينهم، من دون وجود حاجة فعلية لها، ولا داعي من دواعي الواقع. وكانت"الوحدة العربية" أبرز أمثلة هذا النوع من القضايا. وهي من اختصاص الفكر القومي. لكن بقية الأفكار السياسية لم تقصر في طرح "قضايا" من الصنف ذاته. قضية "دكتاتورية البروليتاريا" لدى الشيوعيين. قضية "الأسلمة" لدى "الاخوان" وأضرابهم.
وغالبا ما تكشفت هذه "القضايا" عن أفكار من دون مواضيع. ان الوحدة التي لا يغلبها غلاب ظهر انها في كل بلد من البلدان العربية قسمة لا يلحمها لحَام. وقل مثل ذلك عن الطبقة العاملة، اذ تبين أنها مهمومة بلقمة العيش، وليس بحل معضلة التاريخ عبر اقامة دكتاتوريتها كما قال الشيوعيون. أما "الأسلمة" فلعلها الأغرب. فهل نحن في الجاهلية حتى نحتاج الى أسلمة؟ لكن هذا هو بالضبط ما رآه المرحوم سيد قطب، وما ينوي ورثته "تحقيقه" اليوم. وهذه هي العناوين الكبرى للقضايا "الزائفة" التي شغلتنا وما زال بعضها يفعل منذ قامت علينا الأحزاب "الجذرية". أما العناوين الصغرى المتفرعة عنها فقد لا تقبل الحصر لكثرتها. ويبدو أنها لما أفلست أو كادت، دخنا، واحترنا، وشعرنا بالضياع، فكيف نمضي أيامنا ونحن من دون قضية؟ وهل يعقل ان نتحول الى صحراء من دون قطرة قضية؟التاريخ لا يقطع. وهكذا استدرنا اليه استدارة رجل واحد، فأنعم علينا بواحدة من القضايا "الحية"، والمثيرة، واللاهبة. وتلك هي مسألة "النواصب" و"الروافض". وتفيد التقديرات ان هذه "قضية" لن يطلع المسلمون "من جرخها" في وقت قريب.وكان الابتلاء بالقضايا "الزائفة" احتكارا للجمهوريات. أما الممالك والإمارات المحافظة فقد نأت بنفسها عنها على العموم. فهذه الأخيرة عملية. وغالبا ما تتحلى حكوماتها بشعور المسؤولية تجاه مصالحها وبإدراك للسياسة الدولية. لم يولد مجلس التعاون الخليجي، مثلا، عن هوى أو نزوة، وانما عن حاجة أمنية حقيقية فرضها نشوب الحرب العراقية الايرانية. وصمد المجلس وتطور انطلاقا من نفس الحاجة ولكن مع تغير الأسباب والظروف. ولا يعرف ما الذي جرى لمجلس التعاون الخليجي هذه الأيام حتى يحط طائر "القضية" في دياره، ويطرح فكرة "الوحدة" بين دوله. وشأن إعلام الجمهوريات القومية في القرن الماضي "اهتم" الاعلام الخليجي بهذه "القضية"، ورحب، وتحمس. وقد قرأت اربع مقالات على الأقل في هذا الباب، من دون ان تعطيني اي مفتاح الى هذا الباب: ما هي الأسباب الموجبة؟ كيف تشرح الأرقام هذه الأسباب؟ أين البحوث والمناقشات حولها؟ ما نوع الاتحاد المطروح؟ ماذا يجمع دولة الإمارات الجاذبة لكل الأمم بالسعودية التي لا يشم مواطنها الهواء الا بالسياحة عند الأمم؟ وهل "الوحدة" هي أهم حاجات هذه الدول حتى تتصدر جدول اعمال قمتها؟ان هذه "الحركة" الخليجية تبدو كالذهاب الى الحرب في موسم السلام. ولكن ليس من عادة حكومات هذه المنطقة "المستورة" التصرف بهذه الطريقة. فهل هناك حكمة مستترة وراء طرح هذه "القضية"؟ اذا وجدت مثل هذه "الحكمة"، فلعلها هي الموضوع وليست "الوحدة".لقد أنفقت الجمهوريات أزيد من ثلاثة عقود في هذه "القضية". فكم ستأخذ من وقت الملكيات؟ أقل،على ما أعتقد!
أحاديث شفوية: طائر "الوحدة" يحط بالخليج
نشر في: 15 مايو, 2012: 09:19 م