ساطع راجي لم يواجه سياسي عراقي من الاتهامات ما واجهه أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي من اتهامات، فالجلبي كان في صدارة الداعين للاطاحة بصدام (أو هكذا قيل وترسخ) ومع ذلك فهو مقارنة بالاخرين الاقل انتفاعا من هذا التغيير، بل إن خصومه والمحرضين ضده حصدوا من أرباح التغيير أضعاف ما حصده الجلبي الذي كان يقال إنه سيكون المنتفع الاكبر من الاطاحة بصدام وخاصة بعد تصديه لقيادة عملية اجتثاث البعث التي جلبت له خسائر سياسية في مناطق مختلفة من البلاد، بينما انتفع الاخرون من هذه المهمة بما فيهم البعثيون القدامى (لايشملهم الاجتثاث بسبب سقوف القانون الزمنية) والذين تقدموا للهيمنة على جزء كبير من المشهد السياسي العراقي بعد تبنيهم لمطالب المجتثين.
بدا الجلبي أو التوجه الذي يمثله، حائرا في بعض الاحيان، فهو شيعي علماني ليبرالي رافض للبعث، المحيط العربي يرفضه تقريبا وأصدقاؤه الامريكان انقلبوا عليه في مرحلة مبكرة، وبينما تتنعم القوى السياسية العراقية بنتائج الاطاحة بصدام وتحديدا على يد الامريكان، أصبح الجلبي بعيدا عن الجميع وعن المكاسب، فهو ليس تحريضيا وبالتالي لا يمكن وصفه بالطائفية وإن كانت علاقته بايران جيدة وان كانت علاقاته الشخصية والعائلية بدوائر المرجعيات الشيعية طيبة، فهو لايحسب على أحد، وهو بشكل ما مؤسس فردوس السلطة الذي يتنعم به كثيرون أو تلصق به هذه التهمة، هو عراب العراق الجديد، لكنه العراب الذي أفلتت منه خيوط اللعبة وتناوشتها حراب الاحزاب الاخرى.مشروع الجلبي الاساسي المهم والمتفرد والانقلابي (حتى) هو دعوته لنقل الثروة من الدولة الى الشعب، هو أول من دعا الى توزيع العائدات على المواطنين، فهو الرأسمالي المستقر في الغرب لعقود، ومثل كل رأسمالي يرى أن المجتمع قادر على تدبر شؤونه الخدمية والاقتصادية بعيدا عن الدولة إن منحته هذه الدولة حقه في ثروته وسمحت له بحرية النشاط الاقتصادي، ومشروع الجلبي سواء قصد الجلبي أم لا كان سيمنع تسرب المليارات الى جيوب الفاسدين عبر التعاقدات الغامضة بين مؤسسات الدولة والشركات الوهمية والمقاولين الفاشلين، وسواء قصد الجلبي أم لا كان مشروع توزيع الثروة سيمنع شراء أصوات الناخبين ويمنع تسول المواطنين أمام أبواب الزعماء والاحزاب والمسؤولين، وكان المشروع سيمنع ابتلاع الاحزاب لثروة البلاد عبر السيطرة على الدولة والامساك بمفاتيح خزانتها، لكن الناخبين أبوا الا الانسياق وراء الشعارات والتحريض، وهو ما أدمنوه منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة، أما حسبة العقل والتجارة فقد تركت للثعالب، وهذه الثعالب لم تقبل الا بدخول السياسة فزاحمت السياسيين الحقيقيين في ميدانهم حتى أفسدت السياسة وأحالتها الى تجارة ولصوصية. خطأ الجلبي الذي لم يسمح بتحول مشروعه الى مقصد شعبي هو أنه (الجلبي) ومثل معظم العلمانيين وخاصة الليبراليين في العراق بلا مشروع تنظيمي، هم أشخاص أصحاب مشاريع، شخصيات لامعة بلا حاضنة تنظيمية، بل إنهم أكبر من تنظيماتهم، وكل الشخصيات البارزة في تنظيماتهم لا تعدو أن تكون شخصيات ناطقين بلسان "زعيم الحزب"، وهم (زعماء الاحزاب الليبرالية) لايدركون المسافة الفاصلة بين الشركة والحزب، ففي الشركة كل شيء يسير بتوقيع رئيسها الاوحد، رئيسها المالك، أما في الحزب فإن الزعيم (الرئيس) بحاجة الى شخصيات موازية في القوة وأحيانا تتجاوز الزعيم في بعض المواقف، هنا تبرز المفارقة العراقية التي تحتاج الى إعادة توازن بين المشروع والتنظيم الذي يتبنى المشروع، وبدون هذا التوازن لن يرى مشروع الجلبي النور.
مشروع الجلبي
نشر في: 16 مايو, 2012: 06:54 م