أحمد عبد الحسين أمس قال السيّد رئيس الوزراء: "إذا انهارتْ إنجازات الحكومة فلن ينجو أحد"!. لن نتعب أنفسنا في السؤال عن إنجازات الحكومة التي بلا إنجازات، فهي جملة يراد تكرارها والتنويع عليها بمناسبة وبدون مناسبة لتغدو مسلّمة، ولتكون كوارث الفساد وقلة الخدمات وضياع المليارات وربط أجهزة الدولة بشخص واحد واستعداء الآخرين وربط مقدّرات العراق بدول قريبة وجعل القانون مطيّة لمصالح شخصية وحزبية وفئوية، وشقّ المجتمع العراقيّ بسيوف الطائفية والعشائرية وتهديد وحدة العراق بسلاح التفرّد، تغدو كلّ هذه الأوبئة والأمراض وسواها إنجازات كبرى.
حتى السيّد المالكي وجماعته لا يبدون جادين وهم يتحدثون عن "إنجازاتهم" العظيمة، لكنّ المالكي جادّ بالتأكيد وهو يقول "لن ينجو أحد"ّ! أو حين يقول "الجميع أصبح في سفينة واحدة من يخرقها يغرق الجميع". والجملة الأخيرة بالذات دقيقة، وأدقّ ما فيها قوله "أصبح" في إشارة إلى "الإنجاز" الحقيقيّ الذي يظنّ السيّد المالكيّ انه أداه بنجاح، والمتمثل بربط الدولة كلّ الدولة، مستقبلها ومقدراتها ومصائر أبنائها، بشخصه الكريم، وبحكومته الموقّرة، وانه جمع العراق كله في سفينته فإذا حاول أحد ما أن يغرق هذه السفينة فسيغرق نفسه.وسفينة نوح هذه، أو سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك، ذكرتني بجملة قالها قبل أيام واحد من الرهط الإعلاميّ الحكوميّ، ومن المبرزين في الدفاع عن أخطاء الحكومة وجعلها إنجازات بقوة المال، كان يتحدث مع صحفيّ عراقيّ مرموق، قائلاً له: "ليس لنا خيار في أن نتخلف عن مساندة المالكيّ، فنحن وإياه في سفينة واحدة". هكذا أقنعهم المالكيّ فاقتنعوا، لأنهم يدركون انهم سيتم سؤالهم يوماً وتأنيبهم ربما ومؤاخذتهم على عدم نصح الحكومة بتغيير سياساتها الخاطئة، وسيلامون على عدم توجههم بالنقد والتصويب لها، أو على وقوفهم أحياناً ضدّ أبناء شعبهم كما فعل إعلاميون كثر أثناء مظاهرات الخامس والعشرين من شباط الأغرّ.لكننا ندرك ان فئران السفينة هي أول من يهرب منها، حتى قبل أن يشعر الربّانُ بأن سفينته تغرق، فللفئران حاسة لا يملكها البشر تتنبأ بالكوارث قبل وقوعها وتتشمم رائحة الفجيعة المقبلة.الذين قالوا انهم سيبقون حتى غرق السفينة كاذبون، هؤلاء سنراهم أول القافزين بحثاً عن نجاة، فئران السفينة الغارقة هؤلاء سنراهم قريباً في سفينة جديدة.في حكايات القراصنة، عندما تهبّ العاصفة يصرخ الربان الطيّب على أتباعه: "لينج كلّ منكم بنفسه"، ليظل هو في الأخير آخر من ينجو مسجلاً نبله واستحقاقه ليكون قائداً. وأبداً أبداً لم أشاهد في فيلمٍ ما، حتى في أفلام القراصنة، رباناً يمسك السلاح على أتباعه ويحجزهم عن الخروج قائلاً لهم: لن ينجو أحد!
قرطاس: سفينة النجاة!
نشر في: 16 مايو, 2012: 06:56 م