TOP

جريدة المدى > سينما > الإسقاط الثقافي والإيديولوجي على الفيلم السينمائي

الإسقاط الثقافي والإيديولوجي على الفيلم السينمائي

نشر في: 16 مايو, 2012: 06:58 م

كاظم مرشد السلوم 2-3  أما المخرج "شين بن" فيقص في فيلمه حكاية رجل عجوز لا شغل له إلا الاستحمام وحلاقة ذقنه والتسوق اليومي، فهو يعيش حياة رتيبة متكررة، ويعتني باستمرار بملابس زوجته الميتة، حيث يختار كل يوم فستان من فساتينها ليضعها على السرير، وفي شرفة بيته تقبع زهرية تحوي أزهاراً ذابلة، وفيما هو منشغل بعمله اليومي الرتيب يعرض التلفاز صور انهيار برجي التجارة إلا انه لا يشعر بذلك، ولكن وعلى حين غرة تدخل أشعة الشمس لتضيء بيته وتستعيد الأزهار نضارتها فيدخل في نوبة بكاء كمن يكتشف تواً موت زوجته .
نحى "شين بن" منحى الاستخدام الرمزي فلم تكن الولايات المتحدة غير تلك الزوجة الميتة منذ زمن دون أن يشعر أهلها بموتها، وهم منشغلون بكماليات الحياة، وان التجارة وتنامي الثروة يحجبان النور عن الحياة الأمريكية وكأنه أراد القول بأن الأمريكيين كانوا بحاجة إلى هذه الصدمة لاكتشاف ذلك للخروج من الحالة الأشبه بالطقوسية .  اعتمد المخرج على تصوير لقطات تعبر عن أيقونة مفردات الحياة الأمريكية من خلال حركة الكاميرا التي أراد لها في الأحيان العمل وفقا لما هو متعارف عليه في الأفلام التسجيلية، حيث الاهتزازات المرافقة للعجوز أثناء تسوقه ليؤكد هذا المعنى ويعممه على واقع الحياة الأمريكية وأكد ذلك أيضا بلقطات كبيرة على وجه العجوز وعلى مخلفاته التي تتراوح بين شفرات الحلاقة ومواد التنظيف كما أكد على الأيقونة المقابلة (زهرية الورد الذابل)، كما اعتمد على حركة أسبغت جمالا على العرض من حركتها الرافعة وتنويعها بفعل ذلك أحجام القطات المنسابة برشاقة. ما قدّمه المخرج المكسيكي غونز اليز انرتيو هو فيلم يستعصي على التجنيس، فهو ليس وثائقيا بالمعنى الأكاديمي للفيلم الوثائقي، كونه لم يقتصر على التسجيل كما انه لم يعمد إلى إعادة بناء للوثيقة، كما انه ليس فيلما روائيا لأنه لم يتضمن حكاية بالمعنى التقليدي للحكاية، فقد أوغل كثيرا بالترميز، إذ عمد إلى إظهار لقطة لبرجي التجارة عند اصطدام الطائرة الأولى ثم يظهر الظلام على الشاشة، وبعد دقائق تظهر الطائرة الثانية، وهي تصطدم بالبرجين وتغط الشاشة ثانية في الظلام ولا نسمع شيئاً سوى أصوات الاستغاثة ، ثم يظهر على الشاشة شخص وهو يسقط من الطوابق العليا ثم يعود الظلام ثالثة ورابعة، وينتهي الفيلم بظهور تساؤل باللغة العربية، مفاده هل أن دين الله يأمر بذلك .الفيلم فقير من الناحية الفنية وحتى الدلالية ولا يتناسب مع مكانة المخرج غونزاليز انريتو الذي اخرج عدداً من الأفلام المهمة والكبيرة كفيلم "بابل" الذي حضي بإعجاب النقاد والأكاديميين والمهتمين، فلا حركة كاميرا ولا رؤية فنية واضحة بل اعتمد على الرؤية الإيديولوجية المنحازة التي تعاطت مع الحدث على انه حادثة ليس لها أي جذور ولم يكلف نفسه عناء البحث في الدوافع أو المسببات كما انه لم يتناول الموضوع برؤية فلسفية كما فعل كلود ليلوتش أو شين بن.يوسف شاهين حاول أن يقدم رؤية تبريرية من خلال تجسيد شخصية جندي أمريكي قتل في بيروت عام 1983، ويدور حوار فلسفي بين المخرج يوسف شاهين الذي جسد دوره الممثل نور الشريف، وبين روح الجندي الأمريكي، يحاول شاهين إقناع الجندي أن هذه الجريمة تشابه إلى حد بعيد جرائم إسرائيل التي تدعمها الولايات المتحدة، لذلك نراه يتحدث مع الجندي بغضب ، يبتدئ الفيلم بمنع الشرطة الأمريكية لشاهين من تصوير برجي التجارة قبل انهيارهما، وتتوالى أحداث الفيلم،  فيقود الجندي الأمريكي الى بيت الاستشهاديين الفلسطينيين ليتعرف على دوافع الاستشهاد، ويبرر لها بلقطات تسجيلية عن الجرافات الإسرائيلية وهي تهدم بيوت الفلسطينيين وتعاملهم بوحشية هم ومن معهم من الذين يساندونهم، المخرج يوسف شاهين قدم عملا مدروسا من الناحية الفنية مستفيدا من الإمكانات التي تقدمها الخدع السينمائية والمونتاج في اختزال المسافة في سير الجندي للقاء شاهين، وكذلك عندما يلعب معه الكرة الطائرة حيث يراه المخرج ولا يراه احد من الحاضرين لإكمال الجو العام الذي يتناسب مع التعامل مع روح معنوية وليست مادية، شاهين أراد أن يقول إن العنف لا يجلب سوى العنف لمن يقوم به ولمن يدعمه كذلك .المخرجة" سميرة مخملباف" تنظر إلى الحدث من خلال عيون أطفال أفغان يعيشون مع ذويهم في مخيم الأفغان في إيران ، والحكاية عن معلمة شابة تحاول إخبار الأطفال بأن حدثا مهما ربما سيغير وجه العالم قد وقع في مدينة بعيدة جدا اسمها نيويورك، وان الطائرات قد اخترقت البرجين لكن الأطفال بعفويتهم المحببة يتلقون الخبر بكثير من السخرية والضحك الطفولي كونهم ببساطة لا يعرفون معنى البرج أو ناطحة السحاب فتضطر إلى محاولة تقريب الصورة بان تصور لهم مدخنة احد معامل الطابوق من الأسفل وكأنه بما يشبه البرج في محاولة لتقريب الصورة لدى الأطفال.رؤية مخملباف ترتكز على إدانة الولايات المتحدة التي ساهمت بشكل فعال في تشريد العوائل والأطفال الأفغان كما تدينها أيضاً بتهمة الإبقاء على الجهل في البلدان الفقيرة والصغيرة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram