سرمد الطائيزعيم معتدل بارز في إيران مرتهن في الإقامة الجبرية منذ 440 يوما. مؤخرا سمح له بثلاثة امتيازات هائلة "كسجين خطير"، اولها ان يكون له حق فتح الشباك مرتين في اليوم لتغيير هواء محل اقامته. ثانيها السماح له بالمشي داخل كراج ملحق بالمبنى الذي يحتجز فيه. ثالثها السماح له بإقفال باب شقته حين ينام "للحفاظ على ما تبقى من خصوصية".
مهدي كروبي رجل دين مثير للجدل انخرط قبل اعوام في حركة اصلاحية معتدلة هدفها تحقيق انفتاح سياسي في ايران، ثم ترشح للرئاسة عام 2009 وقال انه لن ينام ليلة فرز الاصوات كي لا تزور النتائج كما حصل عام 2005. بعدها حصلت اول تظاهرات شبابية عارمة في تاريخ ايران الثورة، وانتهت باعتقال الآلاف وباحتجاز كروبي ومير حسين موسوي المهندس المعماري والفنان التشكيلي والمرشح للرئاسة، وزوجته زهراء رهنورد وهي ناشطة نسوية واستاذة في الجامعة.ونادرا ما تتسرب معلومات واضحة حول ظروف الاقامة الجبرية للشخصيات الثلاثة، والتي نجحت في حشد اتباعها وتنظيم مسيرات مليونية غاية في الاناقة مزينة باللون الاخضر والشباب الحالم بالانفتاح، وتعرضت لقمع كبير.المعلومات الجديدة حول سجيننا يقدمها حزب اعتماد "الثقة" المحظور هو وصحيفته المهمة التي اصدرها كروبي في طهران قبل 7 اعوام. وهي تبين كيف يدير "الدهاء الفارسي" معركته مع الغرماء السياسيين. السلطان الفارسي لا يعدم معارضيه البارزين كي لا يصبح نسخة حرفية من طالبان، كما لا يتورط في خوض انتخابات معهم من الان فصاعدا كما تفعل "اشباه الديمقراطيات"، بل يحتجز الخصوم في شقة تدفع ايجارها عوائلهم نفسها، ويسمح لهم احيانا بفتح الشباك وإقفال الباب عند النوم والمشي داخل كراج العمارة.الحركة الاصلاحية التي اطلقها الرئيس السابق محمد خاتمي وحلفاؤه المحتجزون في اقامة جبرية حاليا، كشفت للعالم عن وجه ايراني صالح للتسويق دوليا يمكنه استبدال اسباب التوتر بمبررات سلام ضروري في المنطقة الملتهبة. وهو وجه في وسعه منح ايران قوة حقيقية بعيدا عن طرق ادارة الصراع التي تهدد بإشعال المنطقة وتضييع المزيد من فرص الاستقرار والنمو الصحيح. لكن الاحلام تذوي وتذوي.لكن سلطات ايران ومثل معظم زعامات المنطقة، لا تزال تحلم بـ"بطولة" تقوم على التشدد وإخضاع كل الخصوم بالقوة وحشد الشعوب نصف الجاهلة ونصف الجائعة، في جوق حربي دائم يحمل "الابطال" في معارك خاسرة تبدد كل شيء. وهذه "الفلسفة" الحربية هي ذاتها التي تحوم اليوم حول معظم ثورات الشباب العربي، الذي نزل الى الميدان حالما بحياة كحياة نظرائه في الدول المتقدمة الحرة، بعيدا عن الجدران الحديدية المقامة حول شعوبنا. الثورات تتعرض لمصادرة علنية في الغالب، والشباب لا يكفون عن الحلم بأن الثورة مستمرة والتقدم في مجال الحرية والتنمية البشرية والانفتاح السياسي، لا يحصل بين ليلة وضحاها.والشباب يدركون ان شعوب المنطقة ستظل رهينة بيد التشدد حتى اشعار آخر، لانها لم تخض السجال المطلوب لنقد نظام اخلاقي عتيق، يتيح للرؤساء والزعماء ان يتسلطوا ويمارسوا اخضاع الخصوم بهذه الطريقة القروسطية، ويشجعهم على ان يكونوا ابطالا من حقب مريضة، يتسلقون على منجزات حربية واخرى وهمية، كي يدخلوا التاريخ "من أسوأ أبوابه" ويخرجوا شعوبهم من التاريخ لفترة أخرى.وضع كروبي وموسوي وزوجته زهراء، وهم من رجال الثورة الذين اقتنعوا بضرورة المراجعة والتصحيح وانتهى بهم المطاف في الاقامة الجبرية.. هو مناسبة لرسم العلاقة بين حلم الاعتدال وحلم "بطولة السلطان" التي يريد نيلها بأي ثمن وبمنطق عفا عليه الزمن.حلم الاعتدال والانفتاح، وبمستويات تبدو متشابهة ومتماثلة في كل بلدان المنطقة، محتجز داخل شقة في طهران، او في مدن موازية اخرى على طول بلداننا وعرضها. يسمح له السلطان الحالم ببطولة عتيقة، بفتح الشباك مرتين، وإقفال الباب عند النوم لحفظ "ما تبقى" من خصوصية مفترضة، والمشي قليلا داخل الكراج الملحق بالبناية او "الوطن الرمزي".
عالم آخر: شباك وشقة في طهران
نشر في: 16 مايو, 2012: 08:16 م