علي حسين أيها العراقيون.. إذا كنتم مستعدين لتصديق أكذوبة أن هناك مجلسا للنواب يستطيع أن يدافع عن حقوقكم، ويطعمكم من جوع ويؤمنكم من خوف، ويسهر الليل من اجل أن تمطر لكم الحكومة عسلا ولبنا، فهذا يعني أنكم شعب يتلذذ بأن يعيش عمره كله مخدوعا من قبل مجموعة من الانتهازيين والنصابين وسارقي المال العام. أيها العراقيون.. عشتم مع نوابكم ثماني سنوات عجاف كانوا خلالها يتحدثون سنويا عن الرخاء والرفاهية والخير الذي سيعم على أيديهم التي لا تفرق عن "يد الخير" التي كان يبشرنا بها صدام ليل نهار.. فيما مازلنا نصحوا جميعا على كوابيس المرض والفقر وإهانة آدمية البشر.
نعيش كل يوم مع غابة كثيفة من الخطب والشعارات والبيانات التي تملأ فضاء مجلس النواب والحكومة لكنها لا تعكس اهتماما حقيقيا بمستقبل الناس، فهي مجرد بالونات ملونة يطيرها هذا الطرف او ذاك للفرجة والمتعة، تجعل العراق أقرب إلى كاريكاتير بريشة رسام غير موهوب.وأظن أن هذا هو الوصف الأدق لكل ما يدور على أرض الواقع، سياسات كاريكاتيرية، ومجلس نواب أكثر أعضائه يعشقون الكوميديا ويمارسونها، ورئيس مجلس، يعتقد بأن الأنباء التي تنشر أحيانا عن البرلمان انما تنقصها المهنية والنزاهة، وكأن التصدي للتزييف والاستهانة بمقدرات الناس مرادف تماما للعداء لمجلس النواب، ومعنى هذا أننا جميعا ليس أمامنا إلا أن نصفق ونبايع ونؤيد ونزكي القرار التاريخي الذي اتخذه مجلس النواب والقاضي بمنح العراقيين قطع أراضٍ للتخفيف من ازمة السكن، وتشير الوثيقة التي نشرتها وسائل الإعلام على حرص رئيس مجلس النواب على راحة العراقيين جميعا وانه لا ينام الليل بسبب معاناة أهالي مدن الصفيح ومن ثم فان الحديث بان السيد النجيفي أرسل كتاباً إلى أمين بغداد بتاريخ 11 نيسان 2012، يدعوه فيه إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة للمباشرة بتخصيص قطع أراض سكنية للنواب وإعلام رئاسة البرلمان بالسرعة الممكنة، انما هو تحريف تمارسه وسائل إعلام لا تلتزم المهنية، مارقة ومترصدة وحاقدة على الانجازات التاريخية التي حققها ويحققها المجلس كل خمس دقائق. كتاب السيد النجيفي يكشف إلى أي مدى يمارس بعض الساسة ألوانا مبتكرة من خداع الذات، والأخطر أنهم يعيشون مرحلة غير مسبوقة من الانفصال عن مشكلات الناس وهمومهم، ومن ثم لا نعرف متى يتحدث السيد النجيفي بجد ومتى يحول الجد إلى كوميديا؟. إذن لا مفاجأة على الإطلاق، أن نحصل على المراتب الأولى للدول الأكثر فسادا ورشوة وتزويرا ومحسوبية وانتهازية سياسية، ما المفاجأة وبرلماننا المنتخب قرر أن يغط في نوم عميق لمدة شهر سميّ بالعطلة التشريعية بينما الواقع يقول إنها استراحة المحارب، راحة واستجمام وسط بحر من فوضى التصريحات.سيقول البعض وما حاجتنا إلى برلمان يبحث أعضاؤه عن منافعهم الخاصة لا عن هموم الناس؟. هل اجتماعاتهم ستعيد الاستقرار السياسي للبلاد، عادوا او لم يعودوا؟ لن تفرق كثيرا، بل إن عودتهم ستكلف الميزانية الكثير من الأموال، كما انها ستعطل مصالح الناس، وتشيع بالجو كميات إضافية من الخطب التي من شأنها أن تفاقم أزمة الاحتقان السياسي، فما الذي سيجنيه الناس من برلمان سيعيد إلى مسامعهم الخطب نفسها وستمتلئ شاشات الفضائيات بمعارك تاريخية غير مسبوقة، وستتحول الجلسات إلى مناكفات شخصية ومشاحنات بين الجميع، وستغيب المعارضة الحقيقية كما غابت في السنوات الماضية، لأن الجميع يريد أن يضع قدما في السلطة والأخرى في إحدى دول الجوار.قد لا يعجب هذا الكلام الكثير من البرلمانيين الذين سيسارعون إلى اتهام الإعلام بإثارة الفوضى، بينما الواقع يقول إن الإعلام يوجّه أطنانا من تهم الفساد كل لحظة للعديد من المسؤولين كبارا وصغارا، لكن معظمهم يطبقون نظرية: اتركوهم يكتبون ويصرخون حتى لو كان الفساد مقرونا بوثائق، وبعض الفاسدين يتبجحون علنا بفسادهم.وفي أوضاع كهذه، من حق العراقيين ألا يبالوا بوجود أو عدم وجود البرلمان، وان لا يقعوا في غرامه والسبب لأن بضاعته قديمة وبالية، ولا تناسب مطالب الناس بالعدالة الاجتماعية وبالإصلاح السياسي فهي بالتأكيد بضاعة مزيفة.
العمود الثامن : يا عزيزي.. كلهم لصوص
نشر في: 18 مايو, 2012: 09:00 م