أحمد عبد الحسين هناك خطّ أحمر يحكم تصرفات الإنسان السويّ، خطّ مكوّن من الخجل أو الاستحياء أو من خشية تشوّه صورته في نظر الآخرين، وهو يشكّل حائط صدّ يعصم الإنسان من أن يسطو على ممتلكات سواه أو يهدد أرواحهم أو يقلق راحتهم أو يتصرّف كأنه الوحيد المستحقّ للحياة، والآخرون إلى الجحيم.
هذا الحاجز النفسيّ ـ الاجتماعي أقوى الحواجز التي تحكم شهوة الإنسان للتغالب وحيازة السلطات والممتلكات دون رادع، إنه ـ نظراً لمعطاه الاجتماعيّ المباشر ووجود رقباء وشهود عليه ـ أقوى بكثير من الروادع الدينية، وله تأثير أبلغ من أوامر ونواهي الفقهاء والمصلحين.ولذا شائع جداً أن تجد أناساً غير ديّنيين وليسوا على اطلاع بموارد الحلال والحرام لكنهم مع ذلك يحجزهم هذا الورع الذاتيّ عن سلب الآخرين حقوقهم ويمنعهم من التصرف باعتبارهم مركز العالم وعليهم وحدهم تدور رحى الحياة ولهم وحدهم لا لغيرهم خلق الله العالم وما فيه.وفي المقابل تجد أشخاصاً ترك السجودُ علامات سوداً في جباههم، ولا تهدأ ألسنتهم بالذكر والدعاء والبسملة والحوقلة، وهم أكثر الناس استشهاداً بآية أو حديث شريف، وأعرف الناس بموارد الفقه، لكنهم يشتملون على نفوسٍ تريد وتتمنى أن تحرق كل ما حولها ومن حولها إذا وفّر لها ذلك مغنماً بسيطاً أو عرضاً من أعراض عيش رغيد.كان أهلنا البسطاء يقولون عمن لا يراعي مشاعر الناس في تصرفاته ولا يقيم لهم وزناً بأن "قطرة الحياء سقطتْ من جبينه"، وهو تعبير مجازيّ يقال لمن تملكتْه روح كلبيّة وأخذ يسعى للحصول على مغانم حتى لو كان في ذلك أذى لأقرب الناس إليه.تذكرت هذه الجباه ذات الأخاديد السود والتي سقطتْ منها قطرات الحياء منذ زمن بعيد وأنا أقرأ أن برلمانيين ومسؤولين كباراً يريدون أن يتقاسموا في ما بينهم 4000 دونم من أراضي بغداد الحيوية والمهمة لبناء بيوتٍ لهم، وسيشرعون باستصدار قرار بذلك.أمس قال محمد الربيعي رئيس لجنة التخطيط في مجلس بغداد إن رغبة هؤلاء المسؤولين في سرقة أراضي بغداد سرقة رسمية تعدّ "امتداداً لأفعال النظام السابق"، وقبلها حذّرت المرجعية على لسان السيد أحمد الصافي وكيل السيد السيستاني من مغبة المضيّ في هذا المشروع الذي يفتقر إلى الحياء. لكنْ كيف يمكن أن نلقّن الخجل والاستحياء لأشخاص فقدوا تلك الملكة الربانية منذ زمن بعيد؟ كيف يمكن أن نعيده إنساناً سوياً ذلك الذي جعله التكالب على المال وحشاً كاسراً ببدلة وسيماء صالحين وسواد نفاق على الجبين؟!أتذكر الجبين الوضّاء لرجل اسمه عبد الكريم، ويسميه أهلنا "كرومي"، حكم العراق أربع سنوات ونصف السنة فقط، قام فيها بتوزيع أراضٍ على كلّ فقراء العراق ومات هو من دون أن يكون له بيت.أتذكر جبينه المشرق الذي لم تكن فيه علامة سجود، لكنْ ضوء رضى وكرامة وبهاء وقطرة حياء نفتّش عنها في جباه الساسة بعده ولا نعثر عليها.
قرطاس :قطرة حياء
نشر في: 19 مايو, 2012: 07:01 م