اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > ألفريد سمعان.. شهادة عن زمن مضى

ألفريد سمعان.. شهادة عن زمن مضى

نشر في: 19 مايو, 2012: 07:03 م

جاسم العايف "لا يمكننا أن نفهم فكر كاتبٍ ما وأعماله من خلال الكتابات، أو حتى على مستوى القراءات والتأثيرات، إلا كمظهر جزئي لواقع أقل تجرداً هو الإنسان الحي الكامل، وهذا ليس بدوره سوى عنصر من الكل الذي هو المجموعة الاجتماعية".                     الإله الخفي/ غولدمان      
1  أستعيد تلك اللحظات التي كنت خلالها في بدايات تطلعاتي وبساطتها، أستمع بشغف لتغريد (بلبل.. محطة دار الإذاعة العراقية) في أولى لحظات بثها الصباحي بإشارتها الجميلة المميزة تلك، والتي تختفي صباح 14 تموز 1958 ليصرخ  بدلاً منها، صوت متخشب أجش وبصراخٍ عالٍ، البيان الأول لثورة (العسكر) التي فتحت أبواباً متعددة للسعادات، والهناءات، والتحولات والحركات الاجتماعية، المقموعة سابقاً، فضلاً عن ضروب شتى من النشاطات المدنية والحضارية، التي لا عهد ولا تراث للعراقيين بها، لكنها مع الأيام التي تلت ارتبطت بالجحيم الذي فُتحَ على العراقيين، شتى أنواع المظالم والحيف والانتهاكات، وطالهم جميعاً دون تمييز، وما يزال مُشرعاً حتى اللحظة. كنا، بعض أبناء فقراء محلة (الفيصلية)، قبل أن تتحول إلى (الجمهورية)، بتلك الرؤوس الحليقة والأجساد الهزيلة، والعيون التي استوطنها التراخوما، والملابس التي تعلوها الخصاصة، نفكر، بمستوى أعمارنا، ونعمل فنصدر بأيدينا، تحت شمس (الفيصليّة) وبين سواقي أزقتها الآسنة،التي تشطر طرقها الترابية إلى نصفين، مجلات تزيّنها تخطيطات ورسوم بألوان مائية وألوان أخرى غيرها، يحسبها غيرنا الآن وكأنها بمستوى مشاريع وزارات. شَفنا ذلك الصباح التموزي الذي غيّر كثيراً من تطلعاتنا وتوجهاتنا ومستقبل بعضنا ومصائرنا الشخصية، ففي فورة (مراهقتنا) وجموحها الذي لا يحد تهرأت أحذيتنا من الركض في المسيرات ولوحتنا الشمس البصرية الحارقة التي كنا تحتها إلى ما بعد العصر نصرخ بأعلى ما نستطيع بأصوات مبحوحة، وحناجر أكل منها العطش، دفاعاً عن ذلك (الصباح) الباهر الذي كنا نعتقد، بنقاء وطيب سريرة وبراءة، أن (العسكر) أهدوه لنا، لكنهم شيئاً فشيئاً سرقوه منا وسرقوا معه كل الأحلام والتمنيات. لاهتماماتنا الثقافية بتنا نتابع الكتب والصحف والمجلات المتعددة التي لا عهد لنا بها، ونقرأ أسماء جديدة..أسماء لامعة تنطوي كتاباتها على الإخلاص والحماس والجديد علينا وتمدنا بزاد من المعرفة بات رصيدنا في توجهاتنا الفكرية والثقافية القادمة، أسماء أثق إن الأجيال الراهنة لم تعرف عنها وأعمالها ونشاطاتها الثقافية - الفكرية شيئاً. ثم بعد سنوات تلقفت بعضنا المواقف وغرف التعذيب والمهانات التي لا حصر أو عد لها ، والسجون والفصل التعسفي من مدارسنا، واختفت تلك الأسماء وبات ما صدر عنها ومنها بمثابة أدلة جرمية تطال كل من يعثر عليه وهو يقرؤها أو يتحدث بها، أسماء كثيرة طوتها الغربة والإهمال المتعمد وغيبها التعسف والضيم والأهوال والغدر، ونال من بعضها الموت بوحشية لا مثيل لها.. ولكن: " إن كان هو الموت دائماً  فهو يأتي تالياً.  الحرية ، أبداً ، هي الأولى". يانيس رتسوس 2  كنت غالباً ما أردد مقطعاً من شعر لشاعر اسمه" ألفريد سمعان" حفظته، بعد أن قرأته في مجلة" "المثقف" التي تصدرها جمعية الخريجين العراقيين، بورق اسمر وغلاف من الكارتون وسعر زهيد ومضمون راقٍ. كان ذلك المقطع  الشعري منسجماً مع تلك الأيام وفورتها وتوجهاتها، نبهني جارٌ لنا، وهو الشقيق الكبير، لأحد أقراني، ويعمل معلماً: أن هذا الشاعر "بصراوي" وكان زميله في الإعدادية المركزية بالعشار! عندها أنخطفتُ بالشاعر وفي حدود وعيي وعمري ذلك الزمان. ذات عصر بصري، وأنا حينها الفتى، في طريقي نحو السينما في (العشار)، رأيت مجموعة شعرية معروضة عند بائع الصحف "سالم" وكان يتخذ من نهاية "الهنود"، وقرب محل لبيع (الكاري والتوابل الهندية) مكاناً له، وقبل أن أمد يدي نحوها قرأت عنوانها فكان "كلمات مضيئة" فزادني العنوان شغفاً، ثم استفسرت عن سعرها فأخبرني "سالم" انه (100) فلس. حاولت جاهداً مع "سالم" أن يخفض لي من سعرها (10) فلوس فقط ، أجرة عودتي إلى "الجمهورية" في باصات  "مصلحة نقل الركاب الحكومية " فأبى ذلك نهائياً. ودفعت ثمنها ولم أكن أملك غيره، وتوجهت مشياً إلى دارنا بعد أن سجلت تاريخ اقتنائي "كلمات مضيئة" على صفحة ما بعد الغلاف المصمم من قبل الفنان (يحيى جواد)، وكان كما أراه، إمامي محتفظاً به كل تلك السنوات التي تتجاوز نصف قرن ، مكتوباً بالحبر الأزرق مع توقيعي البسيط عليه (3 /4 /1960). عدت مشياً على قدميَّ بين غابات بساتين النخيل التي كانت تفصل "العشار" عن "الجمهورية" منتشياً وأنا أجوب تلك البساتين العامرة بالخضرة ، والترع الجميلة الصغيرة ، وأقرأ "كلمات مضيئة" وذلك الإهداء الذي نصه: " إلى الطليعة / الظافرة / السائرة /  في طريق الشمس / نحو غد أفضل."(الفريد). أستاذنا الفاضل الراحل الدكتور "صلاح خالص" كت

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram