TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أحاديث شفوية: حراس العدالة والحقيقة

أحاديث شفوية: حراس العدالة والحقيقة

نشر في: 19 مايو, 2012: 08:50 م

 احمد المهناالشعب العراقي واحد من أكبر الشعوب المظلومة على وجه الأرض. ووجوه هذا الظلم معروفة. ويمكن ايجازها بهذه المعادلة الشاذة: شعب فقير ودولة غنية. ان وجود هذه المعادلة أمر مفهوم في ظل نظام حكم يتميز بالكمال في القسوة. فان اولى نتائج حكم كهذا إلغاء الإرادة الشعبية. وبذلك تتمهد الأرض أمام المآسي.
ولكن لماذا لم يتبدل جوهر معادلة (شعب فقير ودولة غنية) بعد 9 أعوام على نهاية عراق صدام؟ نعم حدثت تغيرات ذات أهمية في حياة الشعب، مثل التحسن النسبي في المستوى المعيشي وفي الحريات، مقارنة بظروف الحصار والدكتاتورية. ولكن الجوهر بقي على ما هو عليه. لقد  ظهرت بعد 2003 نخبة سياسية ادعت تمثيل مكونات الشعب وحكمت باسمها. ولكنها لم تنجح في توفير أي أسس حقيقية أو فعلية لهذا الادعاء، وانما برعت في الفساد وتفننت في تقوية الانقسامات وشحذ العصبيات. وبقي الفقر الاسطوري في الخدمات، ونظيره في وسائل تمثيل الإرادة الشعبية وتمكينها. وفي سنوات قليلة غدت لغة السياسة ناشفة وجافة، بعيدة عن هموم الناس، وخالية من نبض الحياة. وأمست الهوة سحيقة بين الطبقة السياسية وبين الشعب. "الدستور"، "التوافق": بهاتين الكلمتين اختزلت دنيا العراق وآخرته. والكلمتان تعبير عن "صراع مستدام" حول صيغة حكم مقبولة بين الكتل السياسية. من جهته عجز الشعب عن تمثيل نفسه مدنيا كما عجز سياسيا. ولعل هذا العجز أثر من الآثار الباقية للطغيان. وقد عمقته تأثيرات الحرب الطائفية (2006 – 2007 ). وخلاصة هذه الآثار والتأثيرات هي مجتمع مدني ضعيف محكوم باقتصاد سياسي ريعي. وفي العادة تكون لدى كل شعب شرائح واعية تتميز بقدرة على تمثيل نفسها، أكثر من غيرها، ومن خلال ذلك التمثيل تستطيع التعبيرعن آمال ومخاوف الجمهور العريض. مثل القانونيين (القضاة والمحامين) والصحفيين. وهاتان الشريحتان مهمتان للغاية لدى كل شعب، لأن الأولى منهما تمثل حراس العدالة. والثانية تمثل حراس الحقيقة. والخدمتان، العدالة والحقيقة، لا تمثلان الشريحتين المعبرتين عنهما فقط، بل تمثلان بعض حاجات المجتمع الأساسية. فالعدالة أهم أركان المجتمع. وهي مهمة القانون. كما أن الحقيقة هي عيون المجتمع. وهي مهمة الصحافة.والقانونيون والصحفيون لم ينجحا بتكوين نقابة حرة لكل منهما. نعم هناك نقابة للقضاة واخرى للمحامين وثالثة للصحفيين. ولكنها جميعا مبتلعة من السلطة التنفيذية خصوصا والطبقة السياسية عموما. الأمر الذي يعني أنها لا تمثل شيئا حقيقيا من مصالحها الفئوية المهنية ولا المصالح العامة للعدالة والحقيقة. واذا كان تشكيل نقابة حرة مازال يبدو أكبر من قدرة هاتين الشريحتين، حتى الآن على الأقل، فان وجود قضاء مستقل واعلام حر لا يقع أصلا في نطاق قدرتهما، فهو نتاج طبقة متوسطة وازنة أو مجتمع مدني ثري وقوي. إن ارادة أي شعب لا تستطيع أن تعبر عن نفسها، ومن ثم انتاج ممثلين فعليين عنها، من دون أن يستطيع رجال ونساء القانون والحقيقة تمثيل أنفسهم. فالشعب أعزل، عديم الإرادة، اذا جرد من سلطة القانون وقوة الصحافة. وتظل معادلة شعب فقير ودولة غنية قائمة مادامت ارادة الشعب غير ممثلة، وبالتالي سلبية ومسلوبة. وعادة ما تكون سلبية الناس هي الباب التي يدخل منها الاستعمار والطغيان والتسلط، بذريعة انهم لا يعرفون أن يمثِلوا أنفسهم ينبغي أن يمثَلوا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

البرلمان يتوعد بـ10 استجوابات: ستمضي دون عراقيل

انتحاريون على أبواب حلب.. ماذا يجري في سوريا؟

الدفاع التركية تقتل 13 "عمالياً" شمالي العراق

مجلس ديالى يفجر مفاجأة: ثلاثة اضعاف سرقة القرن بالمحافظة "لم يُعلن عنه"

الشرطة العراقي يغادر إلى الدوحة لملاقاة بيرسبوليس الإيراني في دوري أبطال آسيا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram