احمد المهناالشعب العراقي واحد من أكبر الشعوب المظلومة على وجه الأرض. ووجوه هذا الظلم معروفة. ويمكن ايجازها بهذه المعادلة الشاذة: شعب فقير ودولة غنية. ان وجود هذه المعادلة أمر مفهوم في ظل نظام حكم يتميز بالكمال في القسوة. فان اولى نتائج حكم كهذا إلغاء الإرادة الشعبية. وبذلك تتمهد الأرض أمام المآسي.
ولكن لماذا لم يتبدل جوهر معادلة (شعب فقير ودولة غنية) بعد 9 أعوام على نهاية عراق صدام؟ نعم حدثت تغيرات ذات أهمية في حياة الشعب، مثل التحسن النسبي في المستوى المعيشي وفي الحريات، مقارنة بظروف الحصار والدكتاتورية. ولكن الجوهر بقي على ما هو عليه. لقد ظهرت بعد 2003 نخبة سياسية ادعت تمثيل مكونات الشعب وحكمت باسمها. ولكنها لم تنجح في توفير أي أسس حقيقية أو فعلية لهذا الادعاء، وانما برعت في الفساد وتفننت في تقوية الانقسامات وشحذ العصبيات. وبقي الفقر الاسطوري في الخدمات، ونظيره في وسائل تمثيل الإرادة الشعبية وتمكينها. وفي سنوات قليلة غدت لغة السياسة ناشفة وجافة، بعيدة عن هموم الناس، وخالية من نبض الحياة. وأمست الهوة سحيقة بين الطبقة السياسية وبين الشعب. "الدستور"، "التوافق": بهاتين الكلمتين اختزلت دنيا العراق وآخرته. والكلمتان تعبير عن "صراع مستدام" حول صيغة حكم مقبولة بين الكتل السياسية. من جهته عجز الشعب عن تمثيل نفسه مدنيا كما عجز سياسيا. ولعل هذا العجز أثر من الآثار الباقية للطغيان. وقد عمقته تأثيرات الحرب الطائفية (2006 – 2007 ). وخلاصة هذه الآثار والتأثيرات هي مجتمع مدني ضعيف محكوم باقتصاد سياسي ريعي. وفي العادة تكون لدى كل شعب شرائح واعية تتميز بقدرة على تمثيل نفسها، أكثر من غيرها، ومن خلال ذلك التمثيل تستطيع التعبيرعن آمال ومخاوف الجمهور العريض. مثل القانونيين (القضاة والمحامين) والصحفيين. وهاتان الشريحتان مهمتان للغاية لدى كل شعب، لأن الأولى منهما تمثل حراس العدالة. والثانية تمثل حراس الحقيقة. والخدمتان، العدالة والحقيقة، لا تمثلان الشريحتين المعبرتين عنهما فقط، بل تمثلان بعض حاجات المجتمع الأساسية. فالعدالة أهم أركان المجتمع. وهي مهمة القانون. كما أن الحقيقة هي عيون المجتمع. وهي مهمة الصحافة.والقانونيون والصحفيون لم ينجحا بتكوين نقابة حرة لكل منهما. نعم هناك نقابة للقضاة واخرى للمحامين وثالثة للصحفيين. ولكنها جميعا مبتلعة من السلطة التنفيذية خصوصا والطبقة السياسية عموما. الأمر الذي يعني أنها لا تمثل شيئا حقيقيا من مصالحها الفئوية المهنية ولا المصالح العامة للعدالة والحقيقة. واذا كان تشكيل نقابة حرة مازال يبدو أكبر من قدرة هاتين الشريحتين، حتى الآن على الأقل، فان وجود قضاء مستقل واعلام حر لا يقع أصلا في نطاق قدرتهما، فهو نتاج طبقة متوسطة وازنة أو مجتمع مدني ثري وقوي. إن ارادة أي شعب لا تستطيع أن تعبر عن نفسها، ومن ثم انتاج ممثلين فعليين عنها، من دون أن يستطيع رجال ونساء القانون والحقيقة تمثيل أنفسهم. فالشعب أعزل، عديم الإرادة، اذا جرد من سلطة القانون وقوة الصحافة. وتظل معادلة شعب فقير ودولة غنية قائمة مادامت ارادة الشعب غير ممثلة، وبالتالي سلبية ومسلوبة. وعادة ما تكون سلبية الناس هي الباب التي يدخل منها الاستعمار والطغيان والتسلط، بذريعة انهم لا يعرفون أن يمثِلوا أنفسهم ينبغي أن يمثَلوا.
أحاديث شفوية: حراس العدالة والحقيقة
نشر في: 19 مايو, 2012: 08:50 م