بغداد/ المدىهذه الجريمة كانت من أصعب جرائم القتل التي واجهت الشرطة في الحلة ... قبل ساعات من القبض على القاتل كاد اليأس يتسرب إلى نفوس فريق العمل المشرف على حل لغز هذه الجريمة ... الجاني لم يترك أي دليل يقود إليه ... لا بصمات ... لا شهود ... ولا يوجد أي بصيص من النور يكشفه ... المتهم شخص لم يتطرق إلى ذهن احد أفراد رجال الشرطة ...
شخص عادي فوق مستوى الشبهات... سقوطه واعترافه كان مفاجأة مثيرة للجميع ... لأن الشخص هذا خدع الشرطة حينما صور لهم مشاهد زائفة لمسرح الجريمة .. ولكن دماء القتيلة كانت تطارد القاتل .. ورفضت تماما أن يهرب القاتل وينجو بجريمته .. البداية في منزل متواضع في احد أحياء مدينة الحلة ... جيران السيدة (س) سارعوا بإبلاغ دورية الشرطة القريبة منهم بانبعاث رائحة كريهة من منزل جارتهم الأرملة ... تم إخبار الشرطة التي انتقلت بعد ذلك إلى دار السيدة (س) بعد أن أخذت موافقة قاضي التحقيق بكسر أقفال الباب ... وعندما دخلت الشرطة وجدت بطانية ملفوفة في ركن من أركان الصالة .. وعندما فتحها الشرطي انبعثت منها رائحة جثة متعفنة ... وبداخل البطانية ... كانت جثة الأرملة (س) مذبوحة ... قاتلها ربطها بحبل سميك ووضع جثتها في شرشف السرير ثم لفها بالبطانية السميكة... انتقل إلى الحادث مدير الشرطة وشعبة الأدلة الجنائية والتصوير الجنائي وكل واحد منهم أخذ يعمل كفريق عمل متكامل لحل لغز هذه الجريمة... القاعدة الإجرامية تؤكد أن تأخير زمن اكتشاف الجريمة يقع من مصلحة القاتل... الذي يكتسب المزيد من الثقة... وتضيع بعض آثار جريمته... وبالفعل هذا ما كان هدف القاتل المجهول ..! المتهم لم يترك وراءه أي بصمة... مما يؤكد أنه كان يرتدي قفازاً في يديه أثناء ارتكابه لجريمته... كذلك فإنه قام بمسح كل الدماء التي سالت من القتيلة حتى يضلل رجال الشرطة... ولا يكتشف موقع ارتكاب الجريمة... فهل القاتل قتل (س) في غرفة نومها ... أم في الصالة ... أو خارجها؟! ضابط التحقيق ذو الخبرة الكبيرة بكشف جرائم القتل الغامضة... أكد لمدير الشرطة بعد المعاينة أن القاتل شخص تعرفه القتيلة جيدا لأنه دخل بيتها بشكل طبيعي... فلا يوجد أي كسر لا على الأبواب ولا الشبابيك...! عثر ضابط التحقيق على صحن به فاكهة على المنضدة وسط الهول وبجواره بقايا قناني مياه غازية... وعلبة سجائر وبقايا سيجارتين محترقتين... كل هذه المؤشرات تؤكد أن القتيلة استضافت قاتلها الذي اختلف معها لسبب مجهول فقتلها... وهرب..! أقوال الشهود والجيران تؤكد أن الحجية (س) كانت تعيش بمفردها منذ سنوات بعد وفاة زوجها ولم تكن قد أنجبت منه.. ففضلت أن تعيش باقي حياتها في شبه عزلة اختيارية عن الجميع !.. كانت (س) تحتفظ في بيتها بكمية كبيرة من الحلي الذهبية التي اشتراها لها زوجها الراحل عندما كان يعمل في الكويت، وكانت (س) تتباهى بهذه الحلي ... وتتعمد أن ترتديها كلها أثناء مناسبات أفراح الجيران أو المرات التي تغادر بها بيتها !... الكشف على غرفة النوم والكنتور أكد اختفاء هذه الحلي الذهبية بعد الجريمة خاصة عندما ذكر احد الشهود أنها كانت ترتدي بعضها في يديها ... والآن اختفت الحلي الذهبية من يديها !.. الحادث كان يمثل الغموض بعينه ... لا أدلة .. ولا شهود ... لا بصمات ... لا مشتبه فيهم ... في خطوة روتينية من الشرطة تم استجواب العشرات من الجيران نساءً ورجالا وسكان الحي وأقارب ومعارف السيد (س) لمعرفة المترددين عليها وهل لها خلاف مع أحد ... في محاولة للوصول لأي بصيص من الأمل للوصول إلى القاتل الخفي ..! استمرت رحلة الاستجواب أياما وأسابيع من دون أن تسفر عن شيء ... كل الخيوط انتهت إلى نتيجة واحدة ... وهي السراب ... ولبرهة أحس ضابط التحقيق انه يبحث عن المجهول ... فهذا القاتل نجح في إثبات مفهوم الجريمة الكاملة! تجاوز عدد الشهود العشرات... وتم القبض على المشتبه بهم وأرباب السوابق ومعتادي السرقة وبعد أسابيع أطلق سراحهم بعد التأكد أن القاتل ليس من بينهم ... وأخيراً أدرك ضباط التحقيق في المركز أن هذه القضية ستنضم إلى قضايا مقيدة ضد مجهول ولكن مدير الشرطة أوعز لضباط التحقيق بالبحث عن الأشخاص الذين كانوا يمرون بضائقة مالية ... وتحسنت أحوالهم فجأة بعد مصرع السيدة (س) ... كان هذا الخيط هو مسك الختام في هذه القضية .. على بعد أمتار قليلة من منزل السيدة (س) كان يعيش (ع) الموظف البسيط ... حسن الخلق الذي اشتهر به ... كان يتدخل لفض خلافات أهالي المنطقة .. إنسان مستقيم يذهب إلى الجامع ليصلي مع أصدقائه في الحي ... فكان صديق الجميع ... لم يكن (ع) مطلقا في مستوى الشبهات ... المثير أن أحواله المادية كانت متعثرة بسبب ديونه الكثيرة وأعبائه التي زادت نتيجة زواجه مرة أخرى ... بعد أن طلق زوجته الأولى !... فجأة بعد أيام من مصرع السيدة (س) تحسنت أحوال (ع) سدد جميع ديونه وأصبح ميسور الحال واشترى سيارة صغيرة له!... رغم انه لا يملك أي مورد إضافي سوى راتبه ... قرر ضابط التحقيق تخطي قاعدة الثقة الشديدة في سلوك (ع) ، تم استدعاؤه وتفتيش منزله وكانت المفاجأة عثور الشرطة على بقايا ذهب القتيلة داخل إحدى مجارير غرفة نومه ... لم يصدق الضابط .. إن (ع) الذي كان مثال الأخلاق والسيرة والسلوك وحلال المشاكل هو نفسه القاتل الذي
أسرار مصرع الحجية!
نشر في: 20 مايو, 2012: 06:46 م