ماجد موجدإذا كان ثمة نظام أو تشريع يمكنه أن يقمع أو يمنع إنساناً من حقه في التعبير فليس ثمة على الإطلاق من قوة تمنعه من التفكير. إن المطالبة ـ كما نقرأ بين الحين والآخرـ بحرية التفكير يبدو أن فيها الكثير من العبث فالعقل البشري جبل على هذه الحرية وهي مصونة له إن أراد هو حفظها وإحياءها وتغذيتها لينحو بها بعيداً عن كل ما يحدّها ويقمعها.
قمع التفكير في أي أمر ما، هو قمع يأتي من داخل الإنسان من عدم ثقته بإرادته وقدرته أن يكون حراً ، وسبب ذلك انه يُركعُ حقَّ تفكيره ليقينيات متواترة من لحظة تاريخية ما، وذلك خوفا من التبعات والعواقب الوخيمة التي ستطوله إن هو تمرد عليها. لا توجد شعوب متخلفة، أوغير قادرة على التفكير الذي ينجيها من ظلمات العبودية والجهل وإنما هي شعوب أوهمها خطاب فكري رث ومتهرئ، ما انفك سدنته تبح أصواتهم لإقناع كل شخص على أنه قاصر وغير معني بالسؤال عن غاية وجوده أو السؤال عن هذا الوجود، وعليه أن يتبع ما يجتهد به أولئك السدنة أو يجترحونه لينال الخلاص، وأن ثمة موضوعات فقط يحق له التفكير فيها وتعلمها في إطار تعاليمهم و يطرد من ذهنه أية فكرة سواها وإلا مسه ما لا يحمد عقباه وهو الذي قد مسّه ما هو أسوأ في خضوعه لإرادتهم بقمع ما جبل عليه.أغلب الشعوب المتطورة التي يسيل اللعاب لتقدمها العلمي والصناعي على جميع الصعد وبالتالي تحضرها وتمدنها، ليس لأن لديها عمقاً تأريخيا أو لأنها صاحبة حضارات عريقة وليس لكثرة ووفرة الثروات الطبيعية التي تمتلكها وإنما لأن كل فرد فيها تخلص من هيمنة أية سلطة تفسد عليه حرية تفكيره، بوصفها ـ أي الحرية ـ الممر الوحيد الذي يجعله يكتسب المعارف ويدرك العلل والأسباب لوجوده وما يترتب على هذا الوجود من حقوق وواجبات، يأخذها ويؤديها بإخلاص.لم يمنع الخالقُ الإنسان من حقه في التفكير وحقه في المعرفة والتعلم وإدراك وكشف قدراته بل أن الكثير مما جاء في الكتب السماوية هو حث الإنسان على فعل كل ما في وسعه ليتعرف ويتأمل ويعمل بكل جهد ليعمر الأرض بما يليق به كونه نتاج خالق مبدع. حسناً أين ستدار عناية الله ومحبته ـ إن أردنا طاعة من نصّبوا أنفسهم سدنة لله ـ هل لمن مازال غائراً في غرف التوسل بلا عمل ولا سعي وليس أمامه سوى قدر طعام يمليه من الصدقات والعطايا وسيف لذبح من يقول له ما هكذا يريد الله أم لمن صنع للناس نوراً وابتكر لهم الشفاء وسهل لهم الترحال وأغناهم عن المشقة في التواصل ووفّر لهم أداة للاطلاع والتعرف وجعل لهم قوة وقدرة على ردِّ من يريد بهم شراً من جهال الفهم وعبدة الأقانيم وإمعات العرف القبلي المهووس بالحقد والكراهية؟ هل يستحق الجواب جهداً لتبيانه؟ بالطبع لا، فبكل تأكيد إن الذين ما انفكوا يجتهدون ليل نهار من أجل أن يبتكروا كل ما من شأنه الارتقاء بالإنسان من تكنولوجيا ومنابع طاقة وكشف أسرار الكون في الأرض وفي أقطار السماوات هم أحق بالتقدير والعناية من أولئك الذين لا شاغل لهم سوى الاجتهاد بموضوعات لا قيمة لها في حياة (الناس) وقد خبرها الناسُ وحفظوها وملوا من سماعها لكنهم ليسوا بقادرين على أن يقولوا مللنا لأنهم خاضعون لسلطة عقاب وثواب اجتهدها على خلاف ما يريده الله أولئك الذين أغلب غاياتهم جعل الإنسان يتجنب التفكير الذي يهز سلطتهم، فمن ذاك الذي يطيع شخصاً يقام سلطانه وغناه وشيوعُه على إخافة الخلق من التفكير وزجهم في الجهل زجاً وليس من عدوٍّ له سوى ذلك الذي ما انفك يسأل: كيف ولماذا وما السبب ؟
كنّ عدّوه!
نشر في: 20 مايو, 2012: 07:05 م