TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > قرطاس: حِنّة يا حِنّة!

قرطاس: حِنّة يا حِنّة!

نشر في: 20 مايو, 2012: 07:09 م

 أحمد عبد الحسينوُلد في محافظة النجف طفلٌ، وما أن خرج من بطن أمه حتى تكلّم. هذه معجزة، ثم أن كلام الولد لم يكن مفهوماً تماماً، إذ قال شيئاً بلغةٍ غريبة وهذه معجزة أخرى. الثالثة أن أحداً لم يسمع هذا الكلام سوى والد الطفل، والمعجزة الرابعة أن الوالد حفظ كلام ابنه المتكلم في مهده، حفظه بحذافيره مع أنه لم يكن بلغةٍ يفهمها،
وسارع الأبُ إلى رجل دينٍ قريب منه معروف بكراماته ومعرفته لغات الغيب ليخبره بما نطق به الولد، فأجاب رجل الدين ـ وهذه معجزة خامسة ـ مترجماً كلام الطفل: "الولد يقول إن عاصفة ترابية ستهبّ على النجف، ولن ينجو منها الأطفال إلا من يحنّي أهله رأسه. فعليكم بالحناء". قالها رجل الدين المترجم عن لغات الغيب، وطار بها الوالد لينشرها في الآفاق ولتتلاقفها النسوة الخائفات على أولادهنّّ، ولتنتقل القصة من النجف إلى المحافظات الأخرى ـ أبشرّكم وصلتْ أمس إلى بغداد ـ ولتفرغ الأسواق من الحناء وتمتلئ البيوت والشوارع بأطفالٍ مصبوغي الشعر بالحناء، ويفرح بائعو هذه المادة التي أصبحتْ ثمينة، ويشاع أن بعض التجار بدأوا يغشون الحناء باستخدام الرمل فاحذروا.نسيت أن أذكر أنّ معجزة سادسة هي أن الوليد الناطق مات بعد دقائق من كلامه الذي أفرغ العراق من الحنّاء وجعل إيران تتهيأ لإرسال شاحنات حناء إلى العراق بعد ملاحظتها الطلب غير المسبوق عليها.يقال إننا شعب طيّب نصدّق كلّ شيء، أخشى أن أقول إن أغلبنا ساذج بسبب الأميّة والجهل وتسليمه أمره لآخرين أكثر جهلاً لكنهم يدّعون حيازة القداسة، وإننا في الأعمّ الأغلب لسنا أسوياء لأننا بلا رأي يخصنا وحدنا، بل فوّضنا هؤلاء المقدّسين أن يتكلموا نيابة عنّا وقلّدناهم في كلّ شيء حتى في جهلهم.ونحن شعب طيّب أكثر من اللازم ونتلقّف كلّ ما يقال لنا ونأخذه رأس مال، خصوصاً إذا كان ما يقال يراد منه تخويفنا بقوى غيبية، كأن يقال مثلاً إن الله وأولياءه سيغضبون علينا إنْ لم ننتخبْ فلاناً أو علاناً، وتعرفون أننا خسرنا وقتاً وجهداً كثيرين وصرفنا أموالاً طائلة حين صدّقنا ـ بطيبة قلوبنا المفرطة ـ هذه الأقاويل التي خوّفنا بها البعضُ وانتخبنا رجالاً في أجسادهم وأرواحهم خاصية الالتصاق بالكراسيّ، ويريد العقلاءُ اليومَ أن يزيحوهم من على كاهلنا لكنهم أبداً لا يتزحزحون كالجيثوم، هل سمعتم بالجيثوم؟ستّ معجزات حدثتْ في أسبوع واحد، الناس خائفون يفتشون الأسواق دون جدوى عن حناء غير مغشوشة قبل أن تهبّ عاصفة التراب، وينتظرون البضاعة الإيرانية التي ستنقذ أطفالنا من أمراضٍ لم يسمع بها أحد من قبلُ لأنّ رؤوسهم غير محنّاة.نسي الناس تفاهة ما نحن فيه من صراع سياسيّ، نسوا أنهم يعيشون في أغنى دولة عيشَ أفقر الناس في العالم، ونسوا أن مصيرهم بأيديهم لا في فم طفلٍ لم يوجد ولن يوجد، أو في فم رجل دين ربما يكون تاجر حنّاء هو الآخر وأراد أن يسوّق بضاعته المكوّنة من الدجل والحناء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

البرلمان يتوعد بـ10 استجوابات: ستمضي دون عراقيل

انتحاريون على أبواب حلب.. ماذا يجري في سوريا؟

الدفاع التركية تقتل 13 "عمالياً" شمالي العراق

مجلس ديالى يفجر مفاجأة: ثلاثة اضعاف سرقة القرن بالمحافظة "لم يُعلن عنه"

الشرطة العراقي يغادر إلى الدوحة لملاقاة بيرسبوليس الإيراني في دوري أبطال آسيا

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram